كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 140
يضل من يريد ، عطف عليه قوله : ( وأن ( اي وليعلم أن ) الله ) أي الموصوف بالإكرام ، كما هو موصوف بالانتقام ) يهدي ) أي بآياته ) من يريد ) أي لتين قدرته واختياره إزاحة لغم من يقول : إذا كانت الآيات المرئية والمسموعة في هذا الحد من البيان فما لأكثر الناس على ضلالهم يتخلف فيهم المسببات عن أسبابها .
ولما كان ذلك موجباً للسؤال ، عن حال الفريقين : المهدي والضال ، أجاب عن ذلك ببيان جميع فرق الضلال ، لأن لهذه السورة أتم نظر إلى يوم الجمع الذي هو مقصود السورة التي قبلها ، فقصد إلى استيعاب الفرق تصويراً لذلك اليوم بأليق صورة ، وقرن بكل من فريقي أهل الكتاب موافقة في معناه فقال : ( إن الذين ءامنوا ) أي من أيّ فرقة كانوا ، وعبر بالفعل ليشمل الإقرار باللسان ، الذي هو أدنى وجوه الإيمان ) والذين هادوا ) أي انتحلوا اليهودية ، على أيّ حال كانوا من إيمان أو كفران .
ولما كان اليهود عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم كما مضى في المائدة ، أتبعهم من شابهوه فقال : ( والصابئين ( ثم تلا بثاني فريقي أهل الكتاب فقال : ( والنصارى ( ثم أتبعهم من أشبه بعض فرقهم في قولهم بإلهين اثنين فقال : ( والمجوس ( وهم عبدة النار ؛ ثم ختم بأعم الكل في الضلال كما فتح بأعمهم في الهدى فقال : ( والذين أشركوا ( لشمله كل شرك حتى الأصغر من الربا ةغيره ) إن الله ) أي الملك الأعظم الذي له الملك كله وهو أحكم الحاكمين ) يفصل بينهم يوم القيامة ( فيجازي كلاًَ بعمله على ما يقتضيه في مجاري عاداتكم ، ويقتص لبعضهم من بعض ، ويمز الخبيث منهم من الطيب ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إن الله ( أ ] أي الجامع لجميع صفات الكمال ) على كل شيء ( من الأشياء كلها ) شهيد ( فلا شيء إلا وهو به عليم ، فهو لذلك على كل شيء قدير ، كما مضى بيانه في
77 ( ) وسع كل شيء علماً ( ) 7
[ طه : 98 ] في طه ، وقال الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الشهادة رؤية خبرة بطية الشيء دخلته ممن له غنى في أمره ، فلا شهادة إلا بخبرة وغنى ممن له اعتدال في نفسه بأن لا يحيف على غيره ، فيكون ميزان عدل بينه وبين غيره ، فيحق له أن يكون ميزانا بين كل متداعيين ممن يحيط بخبرة أمرهما
77 ( ) وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ( ) 7
[ البقرة : 134 ] وبحسب إحاطة علم الشهيد ترهب شهادته ، ولذلك ارهب شهادة شهادة الله على خلقه
77 ( ) قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ( ) 7
[ الأنعام : 19 ] ولما كان أيّما الإحاطة والخبرة والرقبة لله كان بالحقيقة لا شهيد إلا هو - انتهى .

الصفحة 140