كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 142
الجري مع المراد ، وعلى القول بأن هذا في تقدير عامل من لفظ الأول بغير معناه هو قريب من الاستخدام الذي يعلو فيه ضمير على لفظ مراد منه معنى آخر ، والآية من الاحتباك : إثبات السجود في الأول دليل على انتفائه في الثاني ، وذكر العذاب في الثاني دليل على حذف الثواب في الأول .
ولما علم بهذا أن الكل جارونن مع الإدراة منقادون أتم انقياد تحت طوع المشيئة ، وأنه إنما جعل المر والنهي للمكلفين سبباً لإسعاد السعيد منهم وإشقاء الشقي ، لإقامة الحجة عليهم على ما يتعارفونه من أحوالهم فيما بينهم ، كان المعنى : فمن يكرم الله بتوفيقه لا متثال أمره فما له من مهين ، فعطف عليه : ( ومن يهن الله ) أي الذي له الأمر كله بمنابذة أمره ) فما له من مكرم ( لأنه لا قدرة لغيره اصلاً ، ولعله إنما ذكره وطوى الأول لأن السياق لإظهار القدرة ، وإظهارها في الإهانة أتم ، مع أن أصل السياق للتهديد ؛ ثم علل أن الفعل له لا لغيره بقوله : ( إن الله ) أي الملك الأعظم ) يفعل ما يشاء ) أي كله ، فلو جاز أن يمانعه غيره ولو في لحظة لم يكن فاعلاً لما يشاء ، فصح أنه لا فعل لغيره ، قال ابن كثير : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن شيبان الرملي نا القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قيل له : إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئةن فقال له علي : يا عبد الله خلقك الله كما تشاء أو كما شئت ؟ قالك بل كما شاء ، قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قالك بل إذا شاء ، قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟ قال : بل إذا شاء ، قال : فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء ؟ قال : بل حيث يشاء ، قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ، وقد مر في سورة يوسف عند
77 ( ) إن الحكم إلا لله عليه توكلت ( ) 7
[ يوسف : 67 ] ما ينفع هنا .
ولما قسم الناس إلى مخالف ومؤالف ، أتبعه جزاءهم بما يرغب المؤالف ويرهب المخالف على وجه موجب للأمر بالمعروف الذي من جملته الجهاد لوجهه خالصاً فقالكك ) هذان ( اي الساجد والجاحد من جميع الفرق ) خصمان ( لا يمكن منهما المسالمة الكاملة إذ كل منهما في طرف .
ولما أشار بالتثنية إلى كل فرقة منهم صارت - مع كثرتها وانتشارها باتحاد الكلمة في العقيدة - كالجسد الواحدن صرح بكثرتهم بالتعبير بالجمع فقال : ( اختصموا ) أي أوقعوا الخصومة بغاية الجهد ، ولما كانت الفرق المذكورة كلها مثبتة وقد جحد أكثرهم النعمة ، قال : ( في ربهم ) أي الذي هم بإحسانه إليهم معترفون ، لم يختصموا بسبب غيره أصلاً ، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب - الذين هم أول من برز للمخاصمة بحضرة رسول الله - صلى الله