كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 145
الحميد ( الذي وفقهم لسلوك ما يحمدون عليه فيحمدون عاقبة ، فكان فعلهم حسناً كما كان قولهم حسناً ، فدخلوا الجنة التي هي أشرف دار عند خير جار وحلوا فيها أشرف الحلي كما الدنيا بأشرف .
الطرائق ، هذا بعد أن حازوا أشرف الذكر في الدنيا عكس حال الكفار في اقتراف ما أدخلهم ما كلما أرادوا الخروج منه اعيدوا فيه ، مع ما نالهم من سوء الذكر ، بإقبالهم كالبهائم على الفاني مع خسته لحضوره ، وإعراضهم عن الباقي مع شرفه لغيابه .
ولما بين ما للفريقين ، تضمن ما للفريق الثاني بيان أعمالهم الدالة على صدق إيمانهم ، كرر ذكر الفريق الأول لبيان ما يدل على استمرار كفرهم ، ويؤكد بيان جزائهم ، فقال : ( إن الذين كفروا ) أي أوقعوا هذا الفعل الخبيث .
ولما مان المضارع قد لا يلحظ منه زمان معين من حال أو استقبال ، بل يكون المقصود منه الدلالة على مجرد الاستمرار كقولهم : فلان يعطي ويمنع ، قال عاطفاً له على الماضي : ( ويصدون ) أي ويديمون الصد ) عن سبيل الله ) أي الملك الأعظم ، باقتسامهم طرق مكة ، وقول بعضهم لمن يمر به : خرج فينا ساحر ، وآخر يقول شاعر ، وآخر ك كاهن ، فلا تسمعوا منه ، فإنه يريد أن يردكم عن دينكم ؛ قال بعض من أسلم : لم يزالوا ب حتى جعلت في أدنى الكرسف مخافة أن أسمع شيئاً من كلامهم .
وكانوا يؤذون من أسلم - إلى غير ذلك من أعمالهم ، ولعله إنما عبر بالمضارع رحمة منه لهم ليكون كالشرط في الكفر فيدل على أن من ترك الصد زال عنه الكفر وإن طال ذلك منه ) و ( يصدون عن ) المسجد الحرام ( أن تقام شعائره من الطواف فيه بالبيت والصلاة والحج والاعتمار ممن هو أهل ذلك من أوليائنا .
ثم وصفه بما يبين شديد ظلمهم في الصد عنه فقال : ( الذين جعلناه ( بما لنا من العظمة ) للناس ) أي كلهم ؛ ثم بين جعله لهم بقوله : ( سواء العاكف فيه ) أي المقيم ) والباد ) أي الزائر له من البادية ؛ قال الرازي في اللوامع : ( سواء ( رفع بالابتداء ، ) والعاكف ( خبره ، وصلح من تنكيره للابتداء ، لأنه كالجنس في إفادة العموم الذي هو أحسن العهد .
ولما ذكر الكفار ودليل كفرهم بما استعطفهم ، وزاد في الاستعطاف بحذف الخبر عنهم ، ودل آخر الآية هلى أنه يذيقهم العذاب الأليم ، عطف عليه ما ينفر عن وصفهم فقال : ( ومن يرد فيه ) أي شيئاً من أفعال الكفار من الصد المذكور وغيره ، أي يقع منه إرادة لشيء من ذلك ) بإلحاد ) أي مصاحبة تلك الإرادة وماتبسة بجور عن الأمر المعروف وميل واعوجاج .
ولما كان ذلك يقع على مطلق هذا المعنى ، بين المراد بقوله : ( بظلم ) أي في غير موضعه ، وأما صد الكفار عنه فإنه بحق ، لأنهم نجس لا ينبغي قربانهم المحال المقدسة ، وكذا صد الحائض والجنب والخائن ) نذقه ( ولما كان

الصفحة 145