كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 147
المعلوم أن نبوتته له لأجل العبادة ، فكان المعنى : قلنا له : أنزل أهلك هاهنا وتردد إلى هذا المكان للعبادة ، فذلك فسره بقوله : ( أن لا تشرك بي شيئاً ( فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها ، وعطف على النهي قولهك ) وطهر بيتي ( عن كل مل لا يليق به من قذر حسي وعنوي من شرك ووثن وطواف عريان به ، كما كانت العرب تفعل ) للطائفين ( به .
ولما تقدم العكوف فاستغنى عن إعادته ، قال : ( والقائمين ) أي حوله تعظيماً لي كما يفعل حل عرشي ، أو في الصلاة ، ولأن العكوف بالقيام أقرب إلى مقصود السورة .
) والركع ( ولما كان كل من الطواف والقيام عبادة برأسه ، ولم يكن الركوع والسجود كذلك ، عطف ذاك ، واتبع هذا لما بينهما من كمال الاتصال ، إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فقال : ( السجود ) أي المصلين صلاة أهل الإسلام الأكمل ) وأذن في الناس ( اي أعلمهم وناد فيهم ) بالحج ( وهو قصد البيت على سبيل التكرار لعبادة المخصوصة بالمشاعر المنصوصة ) يأتوك ) أي يأتوا بيتك الذي بنيته لذلك ، مجيبين لصوتك بإذننا سامعين طائعين مخبتين خاشعين من أقطار الأرض كما يجيبون صوت الداعي من قبلنا إذا دعاهم بمثل ذلك بعذ الموت ) رجالاً ) أي مشاة على أرجلهم ) وعلى كل ضامر ( اي هزيل من طول السير من الإبل لبعد الشقة وعظم المشقة .
ولما كان الضامر يطلق على كل من الذكر والأنثى من الجمال ، وكانت النثى أضعف النوعين ، فكان الحكم عليها بالإتيان المذكور حكماً على الذكر الذي هو أشد بطريق الأولى ، أسند إلى ضميرها فقال معبراً بما يدل على التجدد والاستمرار ، واصفاً الضوامر التي أفهمتها ( كل ) ) يأتين ) أي الضوامر ) من كل فج ) أي طريق واسع بين جبلين ) عميق ( اي بعيد منخفض بالنسبة غلى علو جباله .
قال أبو حيان : أصله البعد سفلاً - انتهى .
حفاة عراة ، ينتقلون من مشعر من مشاعر الحج إلى معشر ، ومن مشهد إلى مشهد ، مجموعين بالدعوة ، خاشعين للهيبة ، خائفين من السطوة ، راجين للمغفرة ، ثم يتفرقون إلى مواطنهم ، ويتوجهون إلى مساكنهمن كالسائرين إلى مواقف الحشر ، يوم البعث والنشر ، المتفرقين إلى إلى داري النعيم والجحيم ، قيا أيها المصدقون بأن خليلنا إبراهيم عليه السلام نادى بالحج فأجابه بقدرتنا كرامة له من أراد الله حجة على بعد أقطارهم ، وتنائي ديارهم ، ممن كان موجوداً في ذلك الزمان ، وممن كان في ظهور الآباء الأقربين أو الأبعدين صدقوا أن الداعي من قبلنا بالنفخ في الصور يجيبه كل من كان على ظهرها ممن حفظناه له جسده ، أو سلطنا عليه الأرض فمزقناه حتى صار تراباً ، وما بين ذلك ، لأن الكل علينا يسير .

الصفحة 147