كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 148
ولما كان افنسان ميالاً إلى الفوائد ، مستشرقاً غلى جميل العوائد ، علل الإتيان بما يرغبه مبيحاً من فضله ما يقصده من أمر المعاش فقال : ( ليشهدوا ( اي يحضروا حضوراً تاماً ) منافع لهم ) أي لا للمعبود ، دينية ودنيوية ، فإنه كما جعل سبحانه تلك المواطن ماحية للذنوب ، جالبة للقلوب ، جعلها جالبة للفوائد ، جارية على أحسن العوائد ، سالمة للفقر ججابرة للكسر ، ولما كانت المنافع لا تطيب وتمثر إلا بالتقوى كان الحامل على التقوى لذكر قال : ( ويذكروا اسم الله ) أي الجامع لجميع الكمالات بالكبير وغيره عند الذبح وغيره ، إعلاماً بأنه المقصود الذي يتبعه جميع المقاصد لأنه ما جمعهم على ما فيه من تلك الأرض الغراء والأماكن الغبراء إلا هو بقدرته الكاملة ، وقوته الشاملة ، لا اسم شيء من الصنام كما كانت الجاهلية تفعل ) في أيام معلومات ( اي علم أنها أول عشر في ذي الحجة الذي يوافق اسمه مسماه ، لا ما سموه به ومسماه غيره على ما حكم به النسيء ، وفي هذا إشارة إلى أن المراد به الإكثار إذ مطلق الذكر مندوب إليه في كل وقت ، وفي التعبير بالعلم إشارة إلى وجوب استفراغ الجهد بعد القطع بأن الشهر ذو الحجة اسماً ومسمى في تحرير أوله ، أما أيام التشويق فإنها لما كانت مبنية عل العلم بأمر الشهر الذي أمر به هنا ، فأنتج العلم بيوم العيد ، لم يحتج في أمرها إلى غير العد فلذا عبر عنها به دون العلم .
ولما كانت النعم أجل أموالهم ، قال تعالى مرغباً لهم ومرهباً : ( على ) أي مبركين بذكره وحامدين على ) ما رزقهم ( ولو شاء محقه ) من بهيمة ( ولما كانت البهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، بينها بقوله : ( الأنعام ( من الإبل والبقر والغنم بالتكبير عند رؤيته ، ثم عند ذبحه ، وفيه حث على التقرب بالضحايا ، والهدايا ، ولذلك التفت إلى الإقبال عليهم ، وتركيب ( لهم ) يدور على الاستعجام والخفاء والانغلاق وعدم التمييز ، وتركيب ( نعم ) على الرفاهية والخفض والدعة .
ولما ذكر سبحانه العبادة فخاطب بها إبراهيم عليه الصلاو والسلام ، تنبيهاً على أنها لعظم المعبود لا يقوم بها على وجهها إلا الخلص ، أقبل على العابدين كلهم بالإذن في ما يسرهم من منحة التمتيع ، تنبيهاً على النعمة ، حثاً على الشكر ، فقال مبيناً عما اندرج في ذلك من الذبح : ( فكلوا منها ) أي إن شئتم إذا تطوعتم بها ولا تمتنعوا كأهل الجاهلية ، فالأكل من المتطوع به لا يخرجه عن كونه قرباناً في هذه الحنيفية السمحة منة على أهلها ، تشريفاً انبيها ( صلى الله عليه وسلم ) ، والأكل من الواجب لا يجوز امن وجب عليه ، لأنه إذا أكل منه ولم يكن مخرجاً لما وجب عليه بكماله ) وأطعموا البائس ) أي الذي اشتدت حاجتهن من بئس كسمع إذا سات حاله وافتقر ، وبين أنه من ذلك ، لا من بؤس - ككرم

الصفحة 148