كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 149
الذي معناه : اشتد في الخرب ، بقوله ) الفقير ( وأكد هذا الحث ونفى عنه الريب بعوده إلى الأسلوب الأول في قوله : ( ثم ليقضوا ) أي يقطعوا وينهوا يوم النحر بعد طول الإحرام ) تفثهم ) أي شعثهم بالغسل وقص الأظفار والشارب وحلق العنة ونحو ذلك ) وليوفوا نذورهم ( أخذاً من الفراغ من الأمر والخروج من كل واجب ) وليطوفوا ( فيكون ذلك آخر أعمالهم ، وحث على الإكثار منه والاجتهاد فيه بصيغة التفعل ، وعلى الإخلاص بالإخفاء بحسب الطاقة بالإدغام ، واللام إن كسرت - كما هي قراءة أبي عمرو وانب عامر وورش عن نافع وقنبل غن ابن كثير ورويس عن يعقوب في ) ليقضوا ( وقراءة ابن ذكوان عن ابن عامر وحده في ) ليوفوا وليطوفوا ( يصح أن تكون للعلة عطفاً على ) ليشهدوا ( ويمون عطفها بأداة التراخي لطول المدة على ما هو مفهومها مع الإشارة إلى التعظيم في الرتبة ، ويصح أن تكون للأمر كقراؤة الباقين بالإسكان ، وقوله : ( بالبيت ) أي من ورائه ، لعلم الحجر ، ومتى نقص عن إكمال الدوران حوله أدنى جزء لم يصح أنه لم يوقع مسمىى الطواف ، فلا تعلق بالباء في التبعيض ووصفه بقوله : ( العتيق ( إشارة إلى استحقاقه للتعظيم بالقدم والعتق من كل سوء ، ثم أشار غلى تعظيم الحج وأفعاله هذه بقوله : ( ذلك ) أي المر الجليل العظيم الكبير المنافع دنيا وأخرى ذلك .
ولما كان التقدير : فمن فعله سعد ، ومن انتهك شيئاً منه شقي ، عطف عليه قوله : ( ومن يعظم ( اي بغية جهده ) حرمات الله ( اي ذي الجلال والإكرام كلها من هذا ومن غيره ، وهي الأمور التي جعلها له فحث على فعلها أو تركها ) فهو ) أي التعظيم الحامل له على امتثال الأمر فيها على وجهه واجتناب المنهي عنه كالطواف عرياناً والذبح بذكر اسم غير الله ) خير ( كائن ) له عند ربه ( الذي أسدى إليه كل ما هو فيه من النعم فوجب عليه شكره فإن ذلك يدل على تقوى قلبه ، لأن تعظيمها من تقوى القلوب ، وتعظيمها لجلال الله ، وانتهاكها شر عليه عند ربه .
ولما كان التقدير : فقد حرمت عليكم أشياء أن تفعلوها ، وأشياء أن تترموها ، عطف عليه قوله بياناً أن الإحرام لم يؤثر فيها كما أثر في الصيد : ( وأحلت لكم الأنعام ( وهي الإبل والبقر والغنم كلها ) إلا ما يتلى ) أي على سبيل التجديد مستمراً ) عليكم ( تحريمه من الميتة والدم وما أهل لغير الله به ، خلافاً للكفار في افترائهم على الله بالتعبد بتحريم الوصيلة والبحيرة والسائبة والحامي وأحلال الميتة والدم .
ولما أفهم ذلك حل السوائب وما معها وتحريم المذبوح لللأنصاب ، وكان سبب ذلك كله الأوثان ، سبب عنه قوله : ( فاجتنبوا ) أي بغاية الجهد اقتداء بالأب الأعظم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي تقدم الإيصاء له بمثل ذلك عند جعل البيت له مباءة