كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 150
) الرجس ) أي القذر الذي من حقه أن يجتنب من غير أمر ؛ ثم بينه وميزه بقوله : ( من الأوثان ) أي القذر الذي من حقه أن يحتنب من غير أمر ، فإنه إذا اجتنب السبب اجتنب المسبب .
ولما كان ذلك كله من الزور ، أتبعه النهي عن جميع الزور ، وزاد في تبشيعه وتغليظه إذ عدله - كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالشرك فقال : ( واجتنبوا ) أي بكل اعتبار ) قول الزور ) أي جميعه ، وهو الانحراف عن الدليل كالشركالمؤدي غلى لزوم عجز الإله وتحريم ما لم ينزل الله به سلطاناً من السائبة وما معها ، وتحليل الميتة ونحوها مما قام الدليل السمعي على تحريمه كما أن الحنف الميل مع الدليل ، ولذلك أتبعه قوله : ( حنفاء لله ( أذي له الكمال كله ، فلا ميل في شيء من فعله ، وإنما كانا كذلك مع اجتماعهما في مطلق الميل ، لأن الزور تدور مادته على القوة والوعورة ، والحنف - كما مضى في البقرة - على الرقة والسهوله ، فكان ذو الزور معرضاً عن الدليل بما فيه من الكثافة والحنيف مقبالً على الدليل بما له من الاطافة .
ولما أفهم ذلك التوحيد ، أكده بقوله : ( غير مشركين به ) أي شيئاً من إشراك ، بل مخلصين له الدين ، ودل على عظمة التوحيد وعلوه ، وفظاعة الشرك وسفوله ، بقوله زاجراً عنه عاطفاً على ما تقديره : فمن امتثل ذلك أعلاه اعتدله إلى الرفيق الأعلى : ( ومن يشرك ) أي يوقع شيئاً من الشرك ) بالله ) أي الذي له العظمة كلها ، لشيء من الأشياء في وقت من الأوقات ) فكأنما خرّ من السماء ( لعلو ما كان فيه من أوج التوحيد وسفول ما نحط إليه من حضيض الإشراك .
ولما كان الساقط من هذا العلو متقطعاً لا محالة إما بسباع الطير أو بالوقوع على جلد ، عبر عن ذلك بقوله : ( فتخطفه الطير ) أي قطعاً بينها ، وهو نازل في الهواء قبل أن يصل إلى الأرض ) أو تهوي به الريح ) أي حيث لم يجد في الهواء ما يهلكه ) في مكان ( من الأرض ) سحيق ) أي بعيد في السفول ، فيتقطع حال وصوله إلى الأرض بقوة السقطة وشدة الضغطة لبعد المحل الذي خر منه وزل عنه ، فالآية من الاحتباك : خطف الطير الملزوم للتقطع أولاً دال على حذف التقطع ثانياً ، والمكان السحيق الملزوم لبلوغ الأرض ثانياً دليل على حذف ضده أولاً ؛ ثم عظم ما تقدم من التوحيد وما هو مسبب عنه بالإشارة بأداة البعد فقال :
الحج : ( 32 - 35 ) ذلك ومن يعظم. .. . .
) ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى