كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 152
) منسكاً ) أي عبادة أو موضع عبادة أو قرباناً ، فإنه يكون مصدر نسك - كنصر و كرم - نسكاً ومنسكاً ، ويكون بمعنى الموضع الذي يعبد فيه ، والذي يذبح فيه النسك وهو الهدي ، وقال ابن كثير : ولم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل .
ثم أتبع هذا الجعل عتله بياناً لأنه ليس مقصوداً في نفسه فقال : ( ليذكروا ( ولما كان الدين سهلاً سمحاً ذا يسر ، رضي بالدخول فيه بالظاهر فقال : ( اسم الله ) أي الملك الأعلى وحده ، على ذبائحهم وقرابينهم وعبادتهم كلها ، لأنه الرزاق لهم وحده ؛ ثم علل الذكر بالنعمة تنبيهاً على التفكر فيها فقال : ( على ما رزقهم ( فوجب شكره به عليهم ) من بهيمة الأنعام ( .
ولما علم أن الشارع لجميع الشرائع الحقة واحد ، وأن علة نصبه لها ذكره وحده ، تسبب عنه قوله : ( فإلهكم ) أي الذي شرع هذه المناسك كلها .
ولما كان الإله ما يحق له الإلهية بما تقرر من أوصافه ، لا ما سمي إلهاً ، قال : ( إله ( ووصفه بقوله : ( واحد ) أي وإن اختلفت فروع شرائعه ونسخ بعضها بعضاً ، ولو اقتصر على ( واحد ) لربما قال متعنتهم : إن ا لمراد اقتصارنا على واحد مما نعبده .
والتفت إلى الخطاب لأنه أصرح وأجدر بالقبول .
ولما ثبت كونه واحداً ، وجب اختصاصه بالعبادة ، فلذا قال : ( فله ) أي وحده ) أسلموا ) أي انقادوا بجميع ظواهركم وبواطنكم في كل ما أمر به أو نهى عنه ناسخاً وأجدر بالقبول .
كان أو لا وإن لم تفهموا معناه كغالب مناسك الحج .
ولما أمر بالإسلام من يحتاج إلى ذلك إيجاداً أو تكميلاً أو إدامة ، وكان الإسلام هو سهولة الانقياد من غير كبر ولا شماخة ، وكان منشأ الطمأنينة والتواضع اللذين هما أنسب شيء لحال الحجاج المتجرد من المخيط المكشوف الراس الطالب لوضع أوزاره ، وتخفيف آصاره لستر عوراه ، أقبل سبحانه وتعالى على الرأس من المأمورين ، الحائز لما يمكن المخلوقين أن يصلوا إليه من رتب الكمال ، وخلال الجمال والجلال ، إشارة إلى أنه لا يلحقه أحد في ذلك فقال : ( وبشر المخبتين ) أي المتواضعين ، المنكسرين ، من الخبت - للأرض المنخفضة الصالحة للاستطراق وغيره من المنافع ؛ ثم بين علاماتهم فقال : ( الذين إذا ذكر الله ) أي الذي له الجلال والجمال ) وجلت ) أي خافت خوفاً مزعجاً ) قلوبهم ( .
ولما كان في ذكر الحج ، وكان ذلك مظنة لكثرة الخلطة الموجبة لكثرة الأنكاد ولا سيما وقد كان أكثر المخالطين مشركين ، لأن السورة مكية ، قال عاطفاً غير مُتبع ، إيذاناً بالرسوخ في الأوصاف : ( والصابرين ( الذين صار الصبر عادتهم ) على ما أصابهم ( كائناً ما كان .