كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 155
أي لتتأملوا ذلك فتعرفوا أنه ما قادها لكم إلا الله فيكون حالكم حال من يرجى شكره ، فتوقعوا الشكر بأن لا تحرموا منها إلا ما حرمن ولا تحلوا إلا ما أحل ، وتشهدوا منها ما حث على إهدائه ، وتتصرفوا فيها بحسب ما أمركم .
ولما حث على التقرب بها مذكوراً اسمه عليها ، وكان من مكارم الأخلاق ، وكان أكثرهم يفعله ، وكانوا ينضحون البيت ونحوه بدماء قرابينهم ، ويشرحون اللحم ، ويضعونه حوله ، زاعمين أن ذلك قربة ، وقد كان بعض ذلك شرعاً قديماً ، نبه سبحانه على نسخ ذلك بأن نبه على أن المقصود منه روحه لا صورته فقال : ( لن ينال ) أي يصيب ويبلغ ويدرك .
ولما كان السياق للحث على التقريب له سبحانه ، كان تقديم اسمه على الفاعل أنسب للإسراع بنفي ما قد يتوهم من لحاق نفع أو ضر ، فقال معبراً بالاسم العلم الذي حمى عن الشركة بكل اعتبار : ( الله ) أي رضا الملك الذي له صفات الكمال فلا يلحفه نفع ولا ضر ) لحومها ( المأكوله ) ولا دماؤها ( المهراقة ) ولكن يناله التقوى ) أي عمل القلب وهي الصفة المقصود بها أن تقي صاحبها سخط الله ، وهي التي استولت على قلبه حتى حملته على امتثال اموامر التي هي نهايات لذلك ، الكائنة ) منكم ( الحاملة على التقرب التي تكون بها يمون له روح القبول ، المحصلة للمأمول ؛ قال الرازي في اللوامع : وهذا دليل على أن النية الخالصة خير من الأعمال الموظفة - انتهى .
فإذا نالته سبحانه النية قبلب العمل فتلقى اللقمة ( فرباها كما يربي أحدكم فله حتى تكون مثل جبل ) ( ووقع الدم منه بمكان ) فالنفي لصورة لا روح لها والإثبات لذات الروح ، فقد تفيد النية من غير عمل كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك ما معناه ( إن بالمدينة رجالاً ما نزلنا منزلاً ولا قطعنا وادياً غلا كانوا فيه حسبهم العذر ) ولا يفيد العمل بغير نية ، والنية هي التي تفيد الجزاء سرمداً والله الموفق ؛ ثم كرر التنبيه على عظيم تسخيرها منبهاً على ما أوجب عليهم به فقال : ( كذلك ) أي التسخير العظيم ) سخرها ) أي الله الجامع لصفات الكمال ) لكم ( بعظمتته وغناه عنكم ) لتكبروا ( .
ولما ذكر التكبير ، صورة بالاسم الأعظم فقال : ( الله ( وضمن التكبير فعل الشكر ، فكان التقدير : شاكرين له ) على ما هداكم ) أي على هدايتكم له والأمور العظيمة التي هداكم إليها .
ولما كان الدين لا يقوم إلا بالنذارة والبشارة ، وكان السياق لأجل ما تقدم من شعائر الحج ،

الصفحة 155