كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 157
ولما كان كأنه قد قيل : كيف تكون المدافعة وبمن ؟ فقيل : بعباده المؤمنين ، عبر عن ذلك بقوله : ( أذن ( وأشار بقراءة من بنها للمجهول إلى سهولة ذلك عليه سبخانه ) للذين يقاتلون ) أي للذين فيهم قوة المدافعة ، في المدافعة بالقتلا بعد أن كانوا يمنعون منه بمكة ويؤمرون بالصفح ؛ ثم ذكر سبب الإذن فقال ) بأنهم ظلموا ) أي وقع ظلم الظالمين لهم بالإخراج من الديار ، والأذى بغير حق .
ولما كان التقدير : فأن الله أراد إظهار دينه بهم ، عطف عليه قوله : ( وإن الله ) أي الذي هو الملك الأعلى ، وكل شيء في قبضته ، ويجوز عطفه على قوله ) إن الله يدفع ) أي بإذنه لهم في القتال وأنه ) على نصرهم ( وأبلغ في التأكيد لا ستبعاد النصرة إذ ذاك بالكفار من الكثرة والقوة ، وللمؤمنين من الضعف والقلة ، فقال : ( لقدير ( ثم وصفهم بما يبين مظلوميتهم على وجه يجمعهم ويوثقهم بالله فقال : ( الذين أخرجوا من ديارهم ( إلى الشعب والحبشة والمدينة ) بغير حق ( أوجب ذلك ) إلا أن يقولوا ) أي غير قولهم ، أو ألا قولهمك ) ربنا الله ( المحيط بصفات الكمال ، الموجب لإقرارهم في ديارهم ، وحبهم ومدحهم واقتفاء آثارهم ، فهو من باب :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وفي سوق ذلك المساق الاستثناء عند من يجعله منقطعاً إشارة إلى أن من أخلص لله ، صوب الناس إليه سهام مكرهم ، ولم يدعوا في أذاه شيئاً من جهدهم .
ولما ذكر مجافعتهن وذكر أنها بالمؤمنين ، بين سرها عموماً ليفهم منها هذا الخاص ، وصورها تقريباً لفهمهان فقال عاطفاً على ما تديرهك فلولا إذن الله لهم لا ستمر الشرك ظاهراً ، والباطل - باستيلاء الجهلة على مواطن الحج - قاهراً ك ) ولولا دفع الله ) أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة في كل شريعة ، وفي زمن كل ني أرسله ) الناس ) أي عموماً ) بعضهم ببعض ) أي بتسليط بعضهم على بعض ) لهدمت صوامع ( وهي معابد صغار مرتفعة للرهبان ) وبيع ( للنصارى ) وصلوات ( اي كنائس اليهود ) ومساجد ) أي للمسلمين ، أخرها لتكون بعيدة من الهدم قريبة من الذكر ) يذكر فيها اسم الله ) أي الملك الذي لا ملك غيرهن ولعل العدول عن الإضمار إلى الإظهار للإشارة إلى اختلاف ذكره تعالى في الأماكن المذكورة بالإخلاص وغيره ) كثيراً ( لأن كل فرقة تريد هدم ما للأخرى ، بل ربما أراد بعض أهل ملة إخراب بعض معلبد أهل ملته ، لا فبدفعه الله بمن يريد من عباده ، وإذا تأملت ذلك وجدت فيه من الأسرار ، ما يدق عن الأفكار ، فإنه تعالى لما أراد بأكثر الناس الفساد ، نصب لهم من الأضداد ، ما يخفف كثيراً من العناد .
ولما كان لتقدير : ولكن لم تهدم المذكورات ، لأن الله دفع بعضهم ببعض ،

الصفحة 157