كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 162
ولما دل على نصر أوليائه ، وقسر أعدائه ، بشهادة تلك القرىوختم بالتعجيب من استعجالهم مع ما شاهدوا من إهلاك أمثالهم ، وأعلمهم ما هو عليه من الأناة ، واتساع العظمة ، وكبر المقدار ، عطف على ) فكأين ( نمحذراً من نكاله ، بعد طويل إمهاله ، قوله : ( وكأين من قرية ) أي من أهلها ) أمليت لها ) أي أمهلتها كما أمهلتكم ) وهي ظالمة ( كظلمكم لالاستعجال وغيره ) ثم أخذتها ( اي بالعذاب ) وإليّ المصير ( بانقطاع كل حكم دون حكمي ، كما كان مني البدء ، فلم يقدر أحد أن يمنع من خلق ما أردت خلقه ، ولا أن يخلق ما لم ارد خلقه ، فلا نغتروا لالإمهال ، وإن تمادت الأيام والليالي ، واحذروا عواقب الوبال ، وإن بلغتم ما أردتم من الآمال ، ولعله إنما طوى ذكر البدء ، لأنه احتجب فيه بالأسباب فغلب فيه اسمه الباطن ، ولذلك ضل في هذه الدار أكثر الخلق وقوفاً مع الأسباب .
ولما كان الاستعجال بالأفعال لا يطلب من الرسول ، وكان الإخبار باستهزائهم وشدة عماهم ربما أفهم الإذن في الأعراض عنهم اصلاً ورأساً قال سبحانه وتعالى مزيلاً لذلك منبهاً على أن مثله إنما يطلب من المرسل ، لا من الرسول : ( قل ) أي لهم ، ولا يصدنك عن دعائهم ما أخبرناك به ن عماهم ) يا أيها الناس ) أي جميعاً من قومي وغيرهم ) إنما أنا لكم نذير ) أي وبشير ، وإنما طواه لأن المقام للتخويف ، ويلزم منه الآمن للمنتهى فتأتي البشارة ، ولأن النذارة هي المقصود العظم من الدعوة ، لأنه لا يقدم عليها إلا المؤيدون بروح من الله ) مبين ) أي لكل ما ينفعكم لتلزموه .
ويضركم فتتركوه لا إلهن أعجل لكم العذاب ؛ ثم تسبب عن كونه مبيناً العلم بأن وصف البشارة مراد وإن طوي ، فدل عليه سبحانه بقوله تفضيلاً لأهل البشارة والنذارة : ( فالذين آمنوا ) أي أقروا بالإيمان ) وعملوا ) أي تصديقاً لدعواهم ذلك ) الصالحات لهم مغفرة ( لما فرط منهم من التقصير لأنه لن يقد أحد أن يقدر الله حق قدره .
ولما كان هذا أول الإذن في القتال ، المجب لمنابذة الكفار ، مهاجرة الأهل والأموال والديار ، وكان ذلك - مع كونه في غاية الشدة - موجباً للفقر عادة ، قال محققاً له ومنبهاً على أنه سبب الرزق : ( ورزق ) أي في الدنيا بالغنائم وغيرها ، والآخرة بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) كريم ( لا خسة فيه ولا دناءة بانقطاع ولا غيره أصلاً ما داموا على الاتصاف بذلك ، هذا فعل ربهم بهم عكس ما وصف به مدعو الكفار من أن ضره أقرب من نفعه .
ولما كان في سياق الإنذار ، قال معبراً بالماضي زيادة في التخويف : ( والذين سمعوا ) أي أوقعوا السعي ولو مرة واحدة بشبهة من الشبه ونحوها ) في آياتنا ) أي التي

الصفحة 162