كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 167
ولما كانت إثابته تعالى لأهل طاعته تفضلاً منه ، نبه على ذلك بإعراء الخبر عن الفاء السببية بخلاف ما يأتي في حق الكفار فقال : ( في جنات النعيم ( في الدنيا مجازاً ، لمآلهم إليهم مع ما يجدونه من لذة المناجاة واستشعار القرب وفي الآخرة حقيقة بما رحمهم الله به من توفيقهم للأعمال الصالحة ) والذين كفروا ( اي غطوا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا ) وكذبوا بىياتنا ( ساعين - بما اعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه ، وقرن الخبر بالفاء إيذاناً بأنه مسبب عن كفرهم فقال : ( فأولئك ) أي البعداء عن أسباب الكرم ) لهم عذاب مهين ( بسبب ما سعوا في إهانة ىياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتها والتكبر عن اتباعها .
ولما كان المشركون يمنعون بهذ الشبه وغيرها كثيراً من الناس الإيمان ، وكانوا لا يتمكنون بها إلا ممن يخالطهم ، رغب سبحانه في ا لهجرة فقال : ( والذين هاجروا ) أي أوقعوا هجرة ديارهم وأهليهم ) في سبيل الله ) أي طريق ذي الجلال والإكرام التي شرعها ، فكانت ظرفاًُ لمهجرتهم ، فلم يكن لها بها غرض آخر .
ولما كان أكثر ما يخاف من الهجرة القتل .
لقصد الأعداء للمهاجر بالمصادمة ، عند تحقق المصارمة ، قال معبراً بأداة التراخي إشارة إلى طول العمر وعلو الرتبة بسبب الهجرة : ( ثم قتلوا ) أي بعد الهجرة ، وألحق به مطلق الموت فضلاً منه فقال : ( أو ماتوا ) أي من غير قتل ) ليزقنهم الله ( اي الملك الأعلى ) رزقاً حسناً ( من حين تفارق أرواحهم أشباحهم لأنهم أحياء عند ربهم ، وذلك لأنهم أرضوا الله بما انخلعوا منه مما أثلوه طول أعمارهم .
وأثله آباؤهم من قبلهم ، وأموالهم وأهليهم وديارهم .
ولما كان التقدير : فإن لاالله فعاللما يريد من إحيائهم ورزقهم وغيره ، عطف عليه قوله : ( وإن الله ) أي الجامع لصفات الكمال بعظمته وقدرته على الإحياء كما قدر على الإماتة ) لهو خير الرازقين ( يرزق الخلق عامة البر منهم والفاجر ، فكيف بمن هاجر إليه ويعطي عطاء لا يدخله عد ، ولا يحويه حد ، وكما دلت الآية على تسوية من مات في سبيل الله برباط أو غيره في الرزق بالشهيد ، دلت السنة أيضاً من حديث سلمان وغيره رضي الله عنهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( من مات مرابطاً أجري عليه الرزق وأمن الفتانين ) .

الصفحة 167