كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 169
بالعمد ، بقوله ؛ ويجوز أن يكون التقدير ندباً إلى العفو بعد ضمان النصر : إن الله لعزيز حكيم ، ومن عفا وأصلح فقد تعرض لعفو الله عن تقصيره ، ومغفرته لذنوبه ، فهو احتباك : ذكر النصرة دليل العزة والحكمة ، وذكر العفو منه سبحانه دليل حذف العفو من العبد ) إن الله ) أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ) لعفو ) أي عمن اقتص ممن ظلمه أول مرة ) غفور ( لمن اقتص ممن بغى عليه .
ولما ختم بهذين الوصفينن ذكر من الدليل عليهما أمراً جامعاً للمصالح ، عاماً للخلائق ، يكون فيه وبه الإحسان بالخلق والرزق فقال : ( ذلك ) أي معرفة اتصافه سبحانه بهذين الوصفين ) بأن الله ( المتصف بجيع صفات الكمال ) يولج ( لأجل مصالح العباد المسيء والمحسن ) الليل في النهار ( فيمحو ظلامه بضيائه ، لو شاء مؤاخذة الناس لجعله سرمداً فتعطلت مصالح النهار ) ويولج النهار بالليل ( فينسخ ضياءه بظلامه ، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الليل ، أو يطول أحدهما حيث يراد استيلاء ما طبع عليه على عضد ما طبع عليه آخر لما يراد من المصالح التي جعل ذلك لأجلها ) وأن الله ( بجلاله وعظمته ) سميع ( لما يمكن أن يسمع ) بصير ) أي مبصر عالم لما يمكن أن يبصر دائم الاتصاف بذلك فهو غير محتاج إلى سكون الليل ليسمع ، ولا لضياء النهار ليبصر ، لأنه منزه عن الأعراض ، وهو لتمام قدرته وعلمه لا يخاف في عفوه غائلة ، ولا يمكن أن يفوته أمر ، أو يكون التقدير : ذلك النصر والعفو بأنه قادر وبأنه عالم .
ولما وصف نفسه سبحانه بما ليس لغيره فبان بذلك نقير ما سواه بفعله علله بقوله : ( ذلك ) أي الاتصاف بتمام القدرة وشمول العلم ) بأن الله ( الحاوي لصفات الكمال ، القادر على إخراج المعدوم وتجديد ما فات ، من نشر الأموات وغيره ) هو ( وحده ) الحق ) أي الواجب الوجود ) وأن ما يدعون ) أي دعاء عبادة وهم لا يسمعون .
ولما كان سبحانه فوق كل شيء بقهره وسلطانه ، قال محقراً لهم : ( من دونه ) أي من هذه الأصنام وغيرها ، ولم يتقدم هنا من الدليل على بطلان الأوثان مثل ما ذكره في لقمان الداعي الحال إلى التأكيد بضمير الفصل فقال : ( هو الباطل ( لأنه ممكن وجوده وعدمه ، فليس له من ذاته إلا العدم كغيره من الممكنات ) وأن الله ( لكونه هو الحق الذي لا كفوء له ) هو ( وحده ) العلي الكبير ( وكل ما سواه سافل حقير ، تحت قهره وأمره ، فهو يحيي الموتى كما تقدم أول السورة .
ولما دل ما تضمنه رزقه سبحانه للميت في سبيله بقتل أو غيره على إحيائه له ، ودل سبحانه على ذلك وعلى أنه خير الرازقين بما له من العظمة ، وختم بهذين الوصفين ، أتبعه دليلاً آخر على ذلك كله بآية مشاهدة جامعة بين العالم العلوي والسفلي

الصفحة 169