كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 17
ولما كان البرص أبغض شيء إلى العرب ، نافياٍ له ولغيره ، ولم يسمه باسمه أن أسماعهم له مجاجة ، ولأن نفي الأعم من الشيء أبلغ من نفيه بخصوصه : ( من غير سوء ) أي مرض لا برص ولا غيره ، حال كونها ) ءاية أخرى ( افعل ما أمرتك به من إلقاء العصا وضم اليد ، أو فعلنا ذلك من إحالة العصا واون اليد من مناداتك لناجاتك ) لنرينك ( في جميع أيام نبوتك ) من ءايتنا الكبرى ( ليثبت بذلك حنانك ، ويزداد إتقانك ، فكأنه قيل : لماذا يفعل بي هذا ؟ فقيل : لنرسلك إلى بعض المهمات ) اذهب إلى فرعون ) أي لترده عن عتوه : ثم علل الإرسال إلية بقوله مؤكداً لأن طغيان أحد بالنسبة إلى شيء مما للملك الأعلى مما يستبعد : ( إنه طغى ) أي تجاوز حده من العبودية فادعى الربوبية ، وأشار إلى ما حصل له من الضيق من ذلك بما عرف من أنه أمر عظيم ، وخطب جسيم ، يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح قلب ضابط كما صرح به في سورة الشعراء - بقوله ) قال رب اشرح ) أي وسع ) لي ( ولما أبهم المشروح ليكون الكلام أوكد بتكرير المعنى في طريقي الإجمال والتفصيل ، قال رافعاً لذلك الإبهام : ( صدري ( للإقدام على ذلك ، وإلى استصعابه بقوله : ( ويسر لي ( ثم بين ذلك الإبهام بقوله : ( أمري ( وإلى اتعجازه نفسه عن الإبانة لهم عن المراد بقوله : ( واحلل ( ولما كان المعنى هنا ما لا يحتمل غيره إذ إنه لم يسأل بقاءه في غير حال الدعوة ، عدل عن طريق الكالم الماضي فقال : ( عقدة من لساني ) أي مما فيه من الحبسة عن الإتيان بجميع المقاصد من الجمرة التي وضعها في فيه وهو عند فرعون ، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولما كان سؤاله هذا إنما هو الله ، ولذلك اقتصر على قدر الحاجة فلم يطلب زوال الحبسة كلها ، أجابه بقوله : ( يفقهوا قولي ( وإلى اعتقاد صعوبة المقام مع ذلك كله بطلب التأييد بنصير يهمه أمره بقوله : ( واجعل لي ) أي مما تخصني به ؛ وبين اهتمامه بالإعانة كما يقتضيه الحال فقدم قوله : ( وزيراً ) أي ملجأ يحمل عني بعض الثقل ويعاونني ) من أهلي ( أني به أوثق لكونه عليّ أشفق ، ثم أبدل منه قوله : ( هرون ( وبينه بقوله : ( أخي ) أي لأنه أجدر أهلي بتمام مناصرتي ؛ وأجاب الدعاء في قراءة ابن عامر فقال : ( اشدد ( بقطع الهمزة مفتوحة ) به أزري ) أي قوتي وظهري ) وأشركه ( بضم الهمزة مسنداً الفعلين إلى ضميره على أنهما مضارعان ، وقراءة الباقين بوصل الأول وفتح الثاني على أنهما أمران مسندين إلى الله تعالى على الدعاء ) في أمري ) أي النبوة .
طه : ( 33 - 44 ) كي نسبحك كثيرا
) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يمُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ