كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 171
السماوات ( والأرضين ، فإن كل واحدة منها في التي فوقها حتى ينتهي الأمر إلى عرشه سبحانه الذي لا يجوز أصلاً أن يكون لغيره .
ولما كان من المألوف عندنا أن المالك فقير إلى ما في يده ؛ مذموم على إمساكه بالتقتير ، وعلى بذله بالتبذير ، بين أنه بخلاف ذلك فقال : ( وإن الله ) أي الذي له الإحاطة التامة ) لهو ) أي وحده ) الغني ) أي عنهما وعما فيهما ، ما خلق شيئاً منهما أو فيهما لحاجة له إليه بل لحاجتكم أنتم إليه ) الحميد ( في كل ما يعطيه أو يمنعه ، لما في ذلك من الحكم الخفية والجلية ؛ ثم استدل على ذلك بقوله تعالى : ( ألم تر ) أي أيها المخاطب ) أن الله ) أي الحائز لصقفات الكمال ، من الجلال والجمال ) سخر لكم ( فضلاً منه ) ما في الأرض ( كله من مسالكها وفجاجها وما فيها من حيوان وجماد ، زروع وثمار ، فعلم أنه غير محتاج إلى شيء منه ولما كان تسخير السلوك في البحر من أعجب العجب ، قال : ( والفلك ) أي وسخرها لكم موسقة بما تريدون من البضائع .
ثم بين تسخيرها بقوله : ( تجري في البحر ) أي العجاج ، المتلاطم بالأمواج ، بريح طيبة على لطف وتؤدة .
ولما كان الراكب فيها - مع حثيث السير وسرعة المر - مستقراً كأنه على الأرض ، عظم الشأن في سيرها بقوله : ( بأمره ( ولما كان إمساكها على وجه الماء مع لطافته عن الغرق أمراً غريباً كإمساك السماء على متن الهواء عن الوقوع ، أتبعه قوله : ( ويمسك السماء ( ثم فسر ذلك بقوله مبدلاً : ( أن تقع ( اي مع علوها وعظمها وكونها بغير عماد ) على الأرض ( التي هي تحتها .
ولما اقتضى السياق أنه لا بد أن تقع لانحلاله إلى أن يمنع وقوعها لأنها جسم كثيف عظيم ، ليس له من طبعه إلا السفول ، أشار إلى ذلك بقوله : ( إلا بإذنه ) أي فيقع غذا أذن في وقوعها حين يريد طي هذا العالم وإيجاد عالم البقاء .
ولما كان هذا الجود الأعظم والتدبير المحكم محض كرم من غير حاجة أصلاً ، أشار إليه بقوله : ( إن الله ) أي الذي له الخلق والأمر .
ولما كان الجماد كله متاعاً للحيوان ، اقتضى تقديم قولهك ) بالناس ( اي على ظلمهم ) لرؤوف ) أي بما يحفظ من سرائرهم عن الزيغ بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ونصب المناسك ، التي يجمع معظمها البيت الذي بوأه لإبراهيم عليه السلام ، وهو التوحيد والصلاة والحج الحامل على التقوى التي بنيت عليها السورة ، فإن الرأفة كما قال الحرالي : ألطف الرحمة وأبلغها ، فالمرؤوف به تقيمه عناية الرأفة حتى تحفظ