كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 173
مفسدة وبالعكس ، لا قتداره على كل شيء وإظهار اقتداره كما قال تعالى عند أول ذكره للنسخ
77 ( ) ألم تعلم أن الله هلى كل شيء قدير ( ) 7
[ البقرة : 106 ] الآياتن فعلم أن منازعتهم فيه كفر ، فلذلك أتبع هذا قوله من غير عاطف لما بينهما من تمام الاتصال : ( لكل أمة ) أي في كل زمان ) جعلنا ) أي بما لنا من العظمة ) منسكاً ) أي شرعاً لاجتماعهم به على خالقهم حيث وافق أمره ، ولاجتماعهم على أهوائهم إذا لم يوافقه ، وعن ابن جرير أم أصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد إليه إما لخير أو لشر .
ولما كان بحيث إن ما أراده سبحانه كان لا محالة ، قال : ( هم ناسكوه ) أي متعبدون به ، لأنا ندافع عنهم من يعاديهم فيه حتى يستقيم لهم أمره ، لإسعادهم به أو إشقائهم ، فمن شك في قدرتنا على تمكينهم منه فهو كفور ، فإن وافق الأمر كان ربحاً وإيماناً ، وإن خالفه كان كفراً وخسراناً .
ولما كان قد حكم بإظهار دينه عل الدين كله ، وبأن الكفار على كثرتهم يغلبون بعد ما هم فيه م نالبطرن أعلم بذلك بالتعبير بصيغة الزجر لهم بقوله مسبباً عن هذه العظمة : ( فلا ينازعنك في الأمر ) أي بما يلقيه الشيطان إليهم من الشبه ليجادلوا به ، من طعنهم في دينك بالنسخ بقولهم : لو كان من عند الله لما أمر اليوم بشيء ونهي عنه غداً .
لأنه يلزم منه ا لبدء ، فليس الأمر كما زعموا ، بل هو دال على العم بالعواقب والاقتدار التام على شرع المذاهب ، وغير ذلك من الشبه كما مضت الإشارة إليه ، فلا يلتفت إليهم في شيء نازعوا فيه كائناً ما كان ، وروي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعين وغيرهما في الذبائح ، وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم ، ولا تأكلون ما قتل الله - ينعون الميتة .
ولما كان النهي عن المنازعة في الحقيقة له ( صلى الله عليه وسلم ) إلهاباً وتهييجاً إلى الإعراض عنهم لأنهم أهل لذلك ، لأن كيدهم في تضليل ، والإقبال على شأنه ، وكان التعبير بما تقدم من تحويله إليهم لتأكيد الأمر مع دلالته على إجلاله ( صلى الله عليه وسلم ) عن المواجة بالنهي ، عطف عليه قوله : ( وادع ) أي أوقع الدعوةلجميع الخلق ) إلى ربك ) أي المحسن إليك بإرسالك ، بالحمل لهم على كل ما أمرك به متى ما أمرك ، ولا يهولنك قولهم ، فإنهم مغلوبون لا محالة ، ولا تتأمل عاقبة من العواقب ، بل أقدم على الأمر وإن ظن أن فيه الهلاك ، فإنه ليس عليك إلا ذلك .
وأما نظم الأمور على نهج السداد في إظهار الدين ، وقهر المعاندين ، فإلى الذي أمرك بتلك الأموامر ، وأحكم الشأن في جميع الزواجر ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إنك ( مؤكداص له بحسب ما عندهم من الإنكار ) لعلى هدى مستقيم ( فإنه تأصيل العليم القدير وإن طرقه التغيير .