كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 175
الكثير أيضاً فقال : ( السماء والأرض ( مما يتفق منهم ومن غيرهم من جميع الخلائق الحيوانات وغيرها .
ولما كان الإنسان محل النسيان ، لا يحفظ الأمور إلا بالكتاب ، خاطبة بما يعرف ، مع ما فيه من عجيب القدرة ، فقال : ( إن ذلك ) أي الأمرالعظيم ) في كتاب ( كتب فيه كل شيء حكم بوقوعه قبل وقوعه وكتب جزاءه ؛ ولما كان جمع ذلك في كتاب أمراً بالنسبة إلى الإنسان متعذراً ، أتبعه التعريف بسهولته عنده فقال : ( إن ذلك ( إلى علم ذلك الأمر العظيم بلا كتاب ، وجمعه في كتاب قبل كونه وبعده ) على الله ) أي الذي لا حد لعظمته ، وحده ) يسير ( .
ولما أخبر سبحانه أن الشك لا يزال ظرفاً لهم - لما يلقى الشيطان من شبهه في قلوبهم القابلة لذلك بما لها من المرض وما فيها من ا لفساد إلى إتيان الساعة ، وعقب ذلك بما ذكر من الحكم المفصلة ، والأحكام المشرفة المفضلة ، إلى أن ختم بأنه وحده الحكم في الساعة ، مرهباً من تمام علمه وشمول قدرته ، قال معجباً ممن لا ينفعه الموعظة ولا يجوز الواجب وهو يوجب المحال ، عاطفاً على ) ولا يزال ( : ( ويعبدون ) أي على سبيل التجديد والاستمرار ) من دون الله ) أي من أدنى رتبة من رتب الذي قامت جميع الدلائل على احتوائه على جميع صفات الكمال ، وتنزهه عن شوائب النفص ) مل لم ينزل به سلطاناً ) أي حجة واحدة من الحجج .
ولما كان قد يتوهم أن عدم إنزال السلكان لا ينفيه ، قال مزيلاً لهذا الوهم : ( وما ليس لهم به علم ) أي أصلاً ) وما ) أي والحال أنهم ما لهم ، ولكنه أظهره إشارة إلى الوصف الذي استحقوا به الهلاك فقال : ( للظالمين ) أي الذين وضعوا التعبد في غير موضعه بارتكابهم لهذا الأمر العظيم الخطر ؛ وأكد النفي واستغراق المنفي بإثبات الجار فقال : ( من نصير ) أي ينصرهم من الله ، لا مما أشركوه به ولا من غيره ، لا في مدافعة عنهم ولا في إثبات حجة لمذاهبهم ، فنفى أن يكون أحد يمكنه أن يأتي بنصرة تبلغ القصد بأن يغلب المنصور عليه ، وأما مطلق نصر لا يفيد بما تقدم من شبه الشيطان فلا .
ولما ذكر اعترافهم بما لا يعرف بنقل ولا عقل ، ذكر إنكارهم لما لا يصح أن ينكر فقال : ( وإذا تتلى ) أي على سبيل التجديد والمتابعة من أيّ تالٍ كان ) عليهم آياتنا ) أي المسمعة على ما لها من العظمة والعلو ، حال كونها ) بينات ( لا خفاء بها عند من له بصيرة في شيء مما دعت إليه من الأصول والفروع ) تعرف ( بالفراسة في وجههم - هكذا كان الأصل ، ولكنه أبدل الضمير بظاهر يدل على عنادهم فقال : ( في وجوه الذين

الصفحة 175