كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 177
زعموهم شركاء ) له ) أي الخلق ، فهم في هذا أمثالكم ) وإن ) أي وأبلغ من هذا أنهم عاجزون عن مقاومة الذباب فإنه إن ) يسلبهم الذباب ) أي الذي تقدم أنه لا قدرة لهم على خلقه وهو في غاية الحقارة ) شيئاً ( من الأشياء جل أو قل مما تطلونهم به من الطيب أو تضعونه بين ايديهم من الأكل أوغيره ) لا يستنقذوه ) أي يوجدوا خلاصه أو يطلبونه ) منه ( فهم في هذا أحقر منكم ، وجهة التمثيل به في الاستلاب الوقاحة ، ولهذا يجوز عند الإبلاغ في الذب ، فلو كانت وقاحته في الأسد لم ينج منه أحد ، ولكن اقتضت الحكمة أن تصحب قوة الأسد النفرة ، ووقاحة الذباب الضعف ، وهو واحد لا جمع ، ففي الحمع بين العباب والمحكم أن عبيدة قال : إنه الصواب ، ثم قال : وفي ( كتاب ما تلحن فيه العامة ) لأبي عثمان المازني : ويقال : هذا ذباب واحد ، وثلاثة أذّبة ، لأقل العدد ولأكثر ذباب ، وقول الناس : ذبابة - خطأ ، فلا تقله - .
ولما كان هذا ربما أفهم قوة الذباب ، عرف أن المقصود غير ذلك بقوله ، فذلكة للكلام من أوله : ( ضعف الطالب ) أي للاستنقاذ من الذباب ، وهو الأصنام وعابدوها ) والمطلوب ) أي الذباب والأصنام ، اجتمعوا في الضعف وإن كان الأصنام أضعف بدرجات .
ولما أنتج هذا جهلهم بالله ، عبر عنه بقوله ، ) ما قدروا الله ) أي الذي له الكمال كله ) حق قدره ( في وصفهم بصفته غيره كائناً من كان ، فكيف وهو أحقر الأشياء .
ولما كان كأنه قيل : ما قدره ؟ قال : ( إن الله ) أي الجامع لصفات الكمال ) لقوي ( على خلق كل ممكن ) عزيز ( لا يغلبه شيء ، وهو يغلب كل شيء بخلاف أصنامهم وغيرها .
ولما نصب الدلي على أن ما دعوه لا يصلح أن يكون شيىء منه إلهاً بعد أن أخبر أنه لم ينزل إليهم حجة بعبادتهم لهم ، وختم بما له سبحانه من وصفي القوة والعزة بعد أن أثبت أن له الملك كله ، تلا ذلك بدليله الذي تقتضيه سعة الملك وقوة السلطان من إنزال الحجج على ألسنة الرسل بأوامره ونواهيه الموجب لإخلاص العبادة له المقتضي لتعذيب تاركها ، فقال : ( الله ) أي الملك الأعلى ) يصطفي ) أي يختار ويخلص ) من الملائكة رسلاً ( إلى ما ينبغي الإرسال فيه من العذاب والرحمة ، فلا يقدر أحد على صدهم عما أرسلوا له ، ولا شك أن قوة الرسول من قوة المرسل ) ومن الناس ( أيضاً رسلاً يأتون عن الله بما يشرعونه لعباده ، لتقوم عليهم بذلك حجة النقل ، مضمومة إلى سلطان العقل ، فمن عاداهم خسر وإن طال استدراجه .
ولما كان ذلك لا يكون إلا بالعلم ، قال : ( إن الله ) أي الذي له الجلال والجمال ) سميع ) أي لما يمكن أن يسمع من الرسول وغيره ) بصير ) أي مبصر عالم بكل ما يمكن عقلاً أن يبصر ويعلم ، بخلاف أصنامهم .