كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 18
فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يمُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) 73
( ) 71
ولما فهم سؤاله هذا أن له فيه أغراضاً ، أشار إلى أنها ليست مقصودة له لأمر يعود على نفسه بذكر العلة الحقيقية ، فقال : ( كي نسبحك ) أي بالقول والفعل بالصلاة وغيرها ) كثيراً ( فأفصح عن المراد بالمعاضدة إنما هو لتمهيد الطريق إليه سبحانه .
ولما كان التسبيح ذكراً خاصاً لكونه بالتنزيه الذي أعلاه التوحيد ، أتبعه العم فقال : ( ونذكرك ) أي بالتسبيح والتحميد ) كثيراً ( فإن التعاون والتظاهر أعون على تزايد العبادة أنه مهيج للرغبات ؛ ثم علل طلبه لأخيه لأجل هذا الغرض بقوله : ( إنك كنت بنا بصيراً ( قبل الإقامة في هذا الأمر في أنك حبلتنا على ما يلائم ذكرك وشكرك ، وأن التعاضد مما يصلحنا ، وكل ذلك تدريب لمن أنزل عليه الذكر على مثله وتذكير بنعمة تيسيره بلسانه ليزداد ذكراً وشكراً .
ولما تم ذلك ، كان موضع توقع الجواب ، فأتبعه قوله : ( قال ) أي الله : ( قد أوتيت ( بأسهل أمر ) سؤلك ) أي ما سألته ) ياموسى ( من حل عقدة لسانك وغير ذلك ولو شئت لم أفعل ذلك ولكني فعلته منة مني عليك .
ولما كان إنجاؤه من فرعون يث ولد في السنة التي يذبح فيها الأبناء - قالوا : وهي الرابعة من ولادة هارون عليه السلام - بيد فرعون وفي بيته أمراً عظيماً ، التفت إلى مقام العظمة مذكراً له بذلك تنويراً لبصيرته وتقوية لقلبه ، إعلاماً بأنه ينجيه منه الآن ، كما أنجاه في ذلك الزمان ، ويزيده بزيادة السن والنبوة خيراً ، فيجعل عزه في هلاكه كما جعل إذ ذاك عزه في وجوده فقال : ( ولقد مننا ) أي أنعما إنعاماً مقطوعاً به على ما يليق بعظمتنا ) عليك ( فضلاً منا ) مرة أخرى ( غير هذه ؛ ثم ذكر وقت المنة فقال : ( إذ ) أي حين ) أوحينا ) أي بما لنا من العظمة ) إلى أمك ) أي بالالهام ) ما ( يستحق لعظمته أن ) يوحى ( به ، ولا يعلمه إلا نبي أو من هو قريب من درجة النبوة ؛ ثم فسره بقوله : ( ن اقذفيه ) أي ألقي ابنك ) في التابوت ( وهو صندوق ، فعلوت من التوب الذي معناه تفاؤلاً بهن وقال الحرالي : هو وعاء ما يعز قدره ، والقذف مجاز عن

الصفحة 18