كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 180
إبراهيم عليه السلام ) سماكم المسلمين ( في الأزمان المتقدمة ) من قبل ) أي قبل إنزال هذا القرآن ، فنوّه بذكركم والثناء عليكم في سالف الدهر وقديم الزمان فكتب ثناءه في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان ، وسماكم أيضاً مسلمين ) وفي هذا ( الكتاب الذي أنزل عليكم من بعد إنزال تلك الكتب كما أخبرتكم عن دعوته في قوله
77 ( ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( ) 7
[ البقرة : 128 ] لأنه بانتفاء الحرج يطابق الاسم المسمى ، ويجوز - ولعله أحسن - أن يكون ) هو سمّاكم ( تعليلاً للأمر بحق الجهاد بعد تعليله بقوله ) هو اجتباكم ( فيكون الضمير لله تعالى ، وييشهد له بالحسن قراءة أبي رضي الله عنه بالجلالة عوضاً عن الضميرن أي أن كل أمة تسمت باسم من تلقاء نفسها ، والله تعالى خصكم باسم الإسلام مشتقاً له من اسمه
77 ( ) السلام ( ) 7
[ الحشر : 3 ] مع ما خصكم به من اسم الإيمان استقاقاً له من اسمه المؤمن ، فأثبت لكم هذا الاسم في كتبه ، واجتباكم لاتباع رسوله .
ولما كان الاسم إذا كان ناشئاً عن الله تعالى سواء كان بواسطة نبي من أنبيائه أو بغير واسطة يكن مخبراً عن كيان المسمى ، وكان التقديرك رفع عنكم الحرج وسماكم بالإسلام لتكونوا اشد الأمم انقياداً لتكونوا خيرهم ، علل هذا المعنى بقوله : ( ليكون الرسول ( يوم القيامة ) شهيداً عليكم ( لأنه خيركم ، والشهيد يكون خيراً ولكون السياق لإثبات مطلق وصف الإسلام فقط ، لم يقتض الحال تقديم الظرف بخلاف آية البقرة ، فإنها لإثبات ما هو أخص منه ) وتكونوا ( بما في جبلاتكم من الخير ) شهداء على الناس ( بأن رسلهم بلغتهم رسالات ربهم ، لأنكم قدرتم الرسل حق قدرهم ، ولم تفرقوا بين أحد منهم ، وعلمتم أخبارهم من كتابكم على لسان رسولكم ( صلى الله عليه وسلم ) ، فبذلك كله صرتم خيرهم ، فأهلتم للشهادة وصحت شهادتكم وقبلكم الحكم العدل ، وقد دل هذا على أن الشهادة غير المسلم ليست مقبولة .
ولما ندبهم لأن يكونوا خير الناس ، تسبب عنه قوله : ( فأقيموا ) أي فتسبب عن إنعامي عليكم بهذه النعم وإقامتي لكم في هذا المقام الشريف أني أقول لكم : قيموا ) الصلاة ( التي هي زكاة قلوبكم ، وصلة ما بينكم وبين ربكم ) وآتوا الزكاة ( التي هي طهرة ابدانكم ، وصلة ما بينكم وبين إخوانكم ) واعتصموا بالله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال .
في جميع ما أمركم به ، من المناسك التي تقدمت وغيرها لتكونوا متقين ، فيذب عنكم من يريد أن يحول بينكم وبين شيء منها ويقيكم هول الساعة ؛ ثم علل أهليته لاعتصامهم به بقوله : ( هو ) أي وحده ) مولاكم ) أي المتولي لجميع أموركم ، فهو ينصركم على كل من يعاديكم ، بحيث تتمكنون من إظهار هذا الدين من