كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 19
المسارعة إلى وضعه من غير تمهل لشيء أصلاً ، إشارة إلى أنه فعل مضمون السلامة كيف ما كان ، والتعريف لأنه نوع من الصناديق أشد الناس معرفة به بنو إسرائيل ) فاقذفيه ) أي موسى عليه السلام عقب ذلك بتابوته ، أو التابوت الذي فيه موسى عليه السلام ) في اليم ) أي البحر وهو النيل .
ولما كانت سلامته في البحر من العجائب ، لتعرضه للغرق بقلب الريح للتابوت ، أو بكسره في بعض الجدر أو غيرها ، أوبجرية مستقيماً مع أقوى جرية من الماء إلى البحر الملح وغير ذلك من الآفات ، أشار إلى تحتم تنجيته بلام الأمر عبارة عن معنى الخبر في قوله ، عاجلاً البحر كأنه ذو تمييز ليطيع الأمر : ( فليلقه ) أي التابوت الذي فيه موسى عليه السلام أو موسى بتابوته ) اليم بالساحل ) أي شاطىء النيل ، سمي ذلك لأن الماء يسحله ، أي ينشره إلى جانب البيت الذي الفعل كله هرباً من شر صاحبه ، وهو فرعون ، وهو المراد بقوله : ( يأخذه ( جواباً للأمر ، أي موسى ) عدو لي ( ونبه على محل العجب بإعادة لفظ العدو في قوله : ( وعدو له ( فإنه ما عادى بني إسرائيل بالتذبيح إلا من أجله ) وألقيت عليك محبة ) أي عظيمة ؛ ثم زاد الأمر في تعظيمها إيضاحاً بقوله : ( مني ) أي ليحبك كل من رآك لما جبلتك عليه من الخلال الحميدة ، والشيم السديدة ، لتكون أهلاً لما أريدك له ) ولتصنع ) أي تربى بأيسر أمر تربية بمن هو ملازم ك لا ينفك عن الاعتناء بمصالحك عناية شديدة ) على عيني ) أي مستعلياً على حافظيك غبير مستخفي في تربيتك من أحد ولا مخوف عليك منه ، وأنا حافظ لك حفظ من يلاحظ الشيء بعينه لا يغيب عنها ، فكان كل ما أردته ، فلما رآك هذا العدو أحبك وطلب لك المراضع ، فلما لم تقبل واحدة منهن بالغ في الطلب ، كل ذلك إمضاء لأمري وإيقافاً لأمره به نفسه لا بغيره ليزداد العجب من إحكام السبب ، ثم ثم ذكر ظرف الصنع فقال : ( إذ ) أي تحين ) تمشي أختك ) أي في الموضع الذي وضعوك به لينظروا لك مرضعة ) فتقول ( بعد إذ رأتك ، لال فرعون : ( هل أدلكم على من يكفله ) أي يقوم بمصالحه من الرضاع والخدمة ، ناصحاً له ، فقالوا : نعم فجاءت بأمك فقبلت ثديها ) فرجعناك ) أي فتسبب عن قولها هذا أن رجعناك ) إلى أمك ( حين دلتهم عليها ) كي تقر ) أي تبرد وتسكن ) عينها ( وتربيك آمنة عليك غير خائفة ، ظاهرة غير مستخفية ) ولا تحزن ( بفراقك أو بعدم تربيتها لك وبذلها اجهد في نفعك ) وقتلت نفساً ) أي بعد أن صرت رجلاً من القبط دفعاً عن رجل من قومك فطلبت بها وأرادوا قتلك ) فنجيناك ( بما لنا من العظمة ) من الغم ( الذي كان قد نالك بقتاه خوفاً من جريرته ، بأن أخرجناك مهاجراً لديارهم نحو مدين ) وفتناك فتوناً ) أي خلصناك من محنة بعد نحنة مرة بعد

الصفحة 19