كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 193
الألواح في هذا الجبل ، ثم أتم له التوراة وهي أعظم الكتب بعد القرآن ، وبالكتب السماوية والشرائع الربانية انتظام البقاء الأول ، كما سلف في الفاتحة والأنعام والكهف .
ولما ذكر سبحانه إنشاء هذه الشجرة بهذا الجبل البعيد عن مياه ابحار لعلوه وصلابته أو بما حوله من الأرض الحارة ، ذكر تميزها عن عامة الأشجار بوجه آخر عجيب فقال : ( تنبت ) أي بالماء الذي لا دهن فيه أصلاً ، نباتاً على قراءة الجمهور ، أو إنباتاً على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وورش عن يعقوب بضم الفوقانية ، ملتبساً ثمره ) بالدهن ( وهو في الأصل مائع لزج خفيف يتقطع ولا يختلط بالماء الذي هو أصله فيسرج ويدهن به ، وكأنه عرّفه لأنه أجلّ الأدهان وأكملها .
ولما كلن المأكول منها الدهن والزيتون قبل العصر ، عطف إشعاراً بالتمكن فقال : ( وصبغ ) أي وتنبت بشيء يصبغ - أي يلون - الخبز إذا غمس فيه أو أكل به ) للآكلين ( وكأنه نكره لأن في الإدام ما هو أشرف منه وألذ وإن كانت بركته مشهورة ؛ روى الإمام أحمد عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري رضي الله عنه قالك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( كلوا الزين وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ) .
وللترميذي وابن ماجه عبد بن حميد في مسنده وتفسيره كما نقاه ابن كثير عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة ) .
وقال أبو حيان : وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع .
ولما دل سبحانه وتعالى على قدرته بما أحيا بالماء حياة قاصرة عن الروح ، أتبعه ما أفاض عليه به حياة كاملة فقال : ( وإن لكم في الأنعام ( وهي الإبل والبقر والغنم ) لعبرة ( يعبرون بها من ظاهر أمرها إلى باطنه مما له سبحانه فيها من القدرة التامة على البعث وغيره ؛ ثم استأنف تفصيل ما فيها م العبرة قائلاً : ( نسقيكم ( ولما كان الأنعام مفرداً لكونه اسم جمع ، ولم يذكر ما يسقى منه ، أنث الضمير بحسب المعنى وعلم أن