كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 197
) ولا تخاطبني ( اي بالسؤال في النجاة ) في الذين ظلموا ( عامة ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إنهم مغرقون ( اي قد ختم القضضاء عليهم ، ونحن نكرمك عن سؤال لا يقبل .
ولما قدم ذلك ، لأن درء المفاسد - بالنهي عما لا يرضي - أولى من جلب المصالح ، أتبعه الأمر بالشكر فقال : ( فإذا استويت ( اي اعتقلت ) أنت ومن معك ) أي من البشر وغيرهم ) على الفلك ( ففرغت من امتثال الأمر بالحمل ) فقل ( لأن علمك بالله ليس كعلم غيرك فالحمد منك أتم ، وإذا قلت اتبعك من معك ، فإنك قدوتهم وهم في غاية الطاعة لك ، ولهذا أفرد في الجزاء بعد العموم في الشرط ) الحمد ) أي الإحاطة بأوصاف الكمال في الإيجاد والإعدام ) لله ( اي الذي لا كفوء له لأنه المختص بصفات المجد ) الذي نجّانا ( بحملنا فيه ) من القوم ( الأشداء الأعتياء ) الظالمين ( الذين حالهم - لوضعهم الأشياء في غير مواضعها - حال من يمشي في الظلام ، فلك الحمد بعد إفنائهم كما كان لك الحمد في حال إبدائهم وإبقائهم ، والحمد في هذه السوة المفتتحة بأعظم شعيرة بها الإبقاء الأول ، وهي الصلاة الموصوفة بالخشوع كالحمد في سورة الإيجاد الأول : الأنعام بقوله تعالى ) ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ( ) [ الأنعام : 45 ] .
ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالجمل ، أتبعه الإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض فقال : ( وقل ربي أنزلني ( في الفلك ثم في الأرض وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه ) منزلاً ( موضع نزول ، أو إنزلاً ) مباركاً ( اي أهلاً لأن يثبت فيه أو به .
ولما كان الثناء أعظم مهيج على إجابة الدعاء ، وكان التقدير ، فأنت خير الحاملين ، عطف عليه قوله ) وأنت خير المنزلين ( لأنك تكفي نزيلك كل ملم ، وتعطيه كل مراد .
المؤمنون : ( 30 - 32 ) إن في ذلك. .. . .
) إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ( ( )
ولما كانت هذه القصة من أغرب القصص ، حث على تدبرها بقوله : ( إن في ذلك ) أي الأمر العظيم الذي ذكر من أمر نوح وقومه وكذا ما هو مهاد له ) لآيات ( اي علامات دالات على صدق الأنبياء في أن المؤمنين هم المفلحون ، وأنهم الوارثون للأرض بعد الظالمين وإن عظمت شوكتهم ، واشتدت صولتهم ) وإن ) أي وإنا بما لنا من العظمة ) كنا ( بما لنا من الوصف الثابت الدال على تمام القدرة ) لمبتلين ( اي فاعلين فعل المختبر لعبادنا بإرسال الرسل ليظهر في عالم الشهادة الصالحُ منهم من

الصفحة 197