كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 198
غيره ، ثم نبتلي الصالحين منهم بما يزيد حسناتهم ، وينقص سيئاتهم ، ويعلي دراجاتهم ، ثم نجعل لهم العقبة فنبلي بهم الظالمين بما يوجب دمارهم ، ويخرب ديارهم ، ويمحو آثارهم ، هذه عادتنا المستمرة إلى أن نرث الأرض ومن عليها فيكون البلاء المبين .
ولما بين سبحانه وتعالى تكذيبهم وما عذبهم به ، وكان القياس موجباً لأن من يأتي يعدهم يخشى مثل مصرعهم ، فيسلك غير سبيلهم ، ويقول غير قيلهم ، بين أنه لم تنفعهم العبرة ، فارتكبوا مثل أحوالهم ، وزادوا على أقوالهم وأفعالهم ، لإرادة ذلك من الفاعل المختار ، الواحد القهار ، وأيضاً فإنه لما كان المقصود - مع التهديد والدلالة على القدرة والاختيار - الدلالة على تخصيص المؤمنين بالفلاح والبقاء بعد الأعداء ، وكان إهلاك المترفين أدل على ذلك ، اقتصر على ذكرهم وابهمهم ليصح تنزيل قصتهم على كل من ادعى فيهم الإتراف من الكفرة ، ويترجح إرادة عاد لما أعطوا مع ذلك من قوة الأبدان وعظم الأجسام ، وبذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وإرادة ثمود لما في ا لشعراء والقمر مما يشابه عبض قولهم هنا ، وللتعبير عن عذابهم بالصيحة ولموافقتهم لقوم نوح في تعليل ردهم بكونه بشراً ، وطوى الإخبار عمن بعدهم بغير التكذيب والإهلاك لعدم الحاجة إلى ذكر شيء غيره ، فقال : ( ثم أنشأنا ( اي أحدثنا وأحيينا وربينا بما لنا من العظمة .
ولما لم يستغرقوا زمان البعد ، أتى بالجار فقالك ) من بعدهم قرناً ) أي أمة وجيلاُ .
ولما كان ربما ظن ظان أنهم فرقة من المهلكين نجوا من عذاب سائرهم كما يكون في حروب سائر الملوك ، عبر عن إنجائهم بإنشائهم ، حقق أنهم أحدثوا بعدهم فقال : ( آخرين فارسلنا ( اي فتعقب إنشاءنا لهم وتسبب عنه أن أرسلنا .
ولما كان الإبلاغ في التسلية ، عدي الفعل ب ( في ) دلالة على أنه عمهم بالإبلاغ كما يعم المظروف الظرف ، حتر لم يدع واحد منهم إلا أبلغ في أمره فقال : ( فيهم رسولاً منهم ( فكان القياس يقتضي مبادرتهم لاتباعه لعلمهم بما حل بمن قبلهم لأجل التكذيب ، ولمعرفتهم غاية المعرفة لكون النبي منهم ، بما جعلناه عليه المحاسن ، وما زيناه به من الفضائل ، ولأن عزه عزهم ، ولدعائه لهم إلى ما لا يخفى حسنه على عاقل ، ولا يأباه منصف ؛ ثم بين ماأرسل به بقوله : ( أن اعبدوا الله ) أي وحده لأنه لا مكافىء له ، ولذا حفظ اسمه فكان لا سمي له ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( ما لكم ( ودل على الاستغراق بقوله : ( من إله غيره ( .
ولما كانت المثلات قد دخلت من قبلهم في المكذبين ، وأناخت صروفها بالظالمين ، فتسبب عن عملهم بذلك إنكار قلة مبالاتهم في عدم تحرزهم من مثل مصارعهمن قال : ( أفلا تتقون ) أي تجعلون لكم وقاية مما ينبغي الخوف منه فتجعلوا وقاية تحول بينكم وبين سخط الله .