كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 20
مرة ، على أنه جمع فتن أو فتنة ، على ترك الاعتداء بالتاء ، ويجوز أن يكون مصدراً كالشكور ، إذن الفتون ولادته عام الذبح وإبقاؤه في البحر ثم منعه الرضاع من غير ثدي أمه ثم جره لحية فرعون ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، ثم قتله القبطي ، ثم خروجه إلى مدين في الطريق الهيع خائفاً يترقب ، ثم إيجار نفسه عشر سنين ، ثم إضلاله الطريق ، ثم تفرق غنمه في ليلة مظلمة ) فلبثت سنين ) أي كثيرة ) في أهل مدين ( مقيماً عند نبينا شعيب عليه السلام يربيك بآدابه ، وصاهرته على ابنته ) ثم جئت ) أي الآن ) على قدر ) أي وقت قدّرته في الأزل لتكليمي لك ، وهو بلوغ الأشد والاستواء ، وإرسالك إلى فرعون لأمضي فيه قدري الذي ذبح أبناء بني اسرائيل خوفاً منه ، فجئت غير مستقدم ولا مستأخر ) ياموسى واصتنعتك ) أي ربيتك بصنائع المعروف تربية من يتكلف تكوين المربى على طريقة من الطرائق ) لنفسي ) أي لتفعل من مرضاتي في تمهيد شرائعي وإنفاذ أوامري ما يفعله من يصنع للنفس من غير مشارك ، فهو تمثيل لما حوله من منزلة التقريب والتكريم .
فلما تمهد 1 لك كله بعد علم نتيجته ، أعادها في قوله : ( اذهب أنت ( كما تقدم أمري لك به ) اخوك ( كما سألت ) بلآيتي ( التي أريتك وغيرها مما أظهره على يديك ) ولا تنيا ) أي تفترا وتضعفا ) في ذكري ( الذي تقدم أنك جعلته غاية دعائك ، بل لتكن - مع كونه ظرفاً محيطياً بجميع أمرك - في غاية الاجتهاد فبه وإحضار القلب له ، فإن ذلك أعون شيء على المراد ، ثم بين المذهوب إليه بقوله ، ( صلى الله عليه وسلم )
1548 ; مؤكداً لنفس الذهاب لأنه لشدة الخطر لا يكاد طبع البشر يتحقق جزم الأمر به فقال : ( اذهبا إلى فرعون ( ثم علل الإرسال إليه بقوله ، مؤكداً لما مضى ، ولزيادة التعجيب من قلة عقله ، فكيف بمن تبعه ) إنه طغى ( ثم أمرهما بما ينبغي لكل آمر بالمعروف من الأخذ بالأحسن فالأحسن والأسهل فالأسهلن فقال مسبباً عن الانتهاء إليه ومعقباً : ( فقولا له قولاً ليناً ( لئلا يبقى له حجة ، ولا يقبل له معذرة ) لعله يتذكر ( ما مر له من تطوير الله له في أطوار مختلفة ، وحمله فيما يكره على ما لم يقدر على الخلاص منه بحيلة ، فيعلم بذلك أن الله ربه ، وأنه قادر علر ما يريد منه ، فيرجع عن غيّه فيؤمن ) أو يخشى ) أي أو يصل غلى حال من يخاف عاقبة قولكما لتوهم الصدق فيكون قولكما تذكرة له فيرسل معكما بني إسرائيل ، ومعنى الترجي أن يكون حاله حال من يرجى منه ذلك ، لأنها من ثمرة اللين في الدعاء ، جرى الكلام في هذا وأمثاله على ما يتعارفه العباد في محاورتهم ، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون ، فالمراد : اذهبا أنتما على رجائكما

الصفحة 20