كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 201
هلاكاً وطرداً .
ولما كان كأنه قيلك لمن ؟ قيل : لهم ولكنه أظهر الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف تحذيراً لكل من تلبس به فقال : ( للقوم ( اي الأقوياء الذي لا عذر لهم في التخلف عن اتباع الرسل والمدافعة عنهم ) الظالمين ( الذين وضعوا قوتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم .
ولما كانت عادة المكذبين أن يقولوا تكذيباً : هذا تعريض لنا بالهلاك ، فصرَّح ولا تدع جهداً في إحلاله بنا والتعجيل به إلينا ، فإنا لا ندع ما نحن عليه لشيء ، وكان العرب أيضاً قد ادعوا أن العادة بموتهم وإنشاء من بعدهم شيئاً فشيئاً لا تنخرم ، قال تعالى رادعاً لهم : ( ثم أنشأنا ) أي بعظمتنا التي لا يضرها تقديم ولا تأخير ، وأثبت الجار لما تقدم فقال : ( من بعدهم ) أي من بعد من قدمنا ذكره من نوح والقرن الذي بعده ) قروناً آخرين ( ثم أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي حده له بقوله : ( ما تسبق ( ولعله عبر بالمضارع إشارة إلى أنه ما كان شيء من ذلك ولا يكون ، وأشار إلى الاستغراق بقوله : ( من أمة أجلها ) أي الذي قدرناه لهلاكها ) وما يستأخرون ( عنه ، وكلهم أسفرت عاقبته عن خيبة المكذبين وإفلاح المصدقين ، وجعلهم بعدهم الوارثين ، وعكس هذا الترتيب في غيرها من الآيات فقدم الاستئخار لنه فرض هناك مجيء الأجل فلا يكون حينئذ نظر إلا إلى التأخير .
ولما كان قد أملى لكل قوم حتى طال عليهم الزمن ، فلما لم يهدهم عقولهم لما نصب لهم من الأدلة ، وأسبغ عليهم من النعم ، وأحل بالمكذبين قبلهم من النقم ، أرسل فيهم رسولاً ، دل على ذلك بأداة التراخي فقال : ( ثم ارسلنا ) أي بعد إنشاء كل قرن منهم وطول إمهالنا له ، ومن هنا يعلم أن بين كل رسولين فترة ، وأضاف الرسل إليه لأنه في مقام العظمة وزيادة في التسلية فقال : ( رسلنا تترا ( اي واحداً بعد واحد ؛ قال الرازي : من وتر القوس لاتصاله .
وقال البغوي : واترت الخبر : اتبعت بعضه بعضاً وبين الخبرين هنيهة .
وقال الأصبهاني : والأصل : وترى ، فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى .
فجاء كل رسول إلى أمته قائلاً : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .
ولما كان كأنه قيل : فكان ماذا ؟ قيل : ( كلما جاء أمة ( ولما كان في بيان التكذيب ، اضاف الرسول إليهم ، ذماً لهم لأن يخصوا بالكرامة فيأبوها ولقصد التسلية أيضاً فقال : ( رسولها ) أي بما أمرناه به من التوحيد .
ولما كان الأكثر من كل أمة مكذباً ، اسند الفعل إلى الكل فقال : ( كذبوه ) أي كما فعل هؤلاء بك لما أمرتهم بذلك ) فأتبعنا ( القون بسبب تكذيبهم ) بعضهم بعضاً ( في الإهلاك ، فكنا نهلك الأمة كلها في آن واحد ، بعضهم بالصيحة ، وبعضهم بالرجفة ،

الصفحة 201