كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 202
وبعضهم بالخسف ، وبعضهم بغير ذلك ، فدل أخذنا لهم على غير العادة - من إهلاكنا لهم جميعاً وإنجاء الرسل ومن صدقهم والمخالفة بينهم في نوع العذاب - أنا نحن الفاعلون بهم ذلك باختيارنا لا الدهر ، وأنا ما فعلناه ذلك إلا بسبب التكذيب .
ولما كانوا قد ذهبوا لم يبق عند الناس منهم إلا أخبارهم ، جعلوا إياها ، فقال : ( وجعلناهم أحاديث ) أي أخباراً يسمر بها ويتعجب منها ليكونوا عظة للمستبصرين فيعلموا أنه لا يفلخ الكافرون ولا يخيب المؤمنون ، وماأحسن قول القائل :
ولا شيء يدوم فكن حديثاً جميل الذكر فالدنيا حديث
ولما تسبب عن تكذيبهم هلاكهم المقتضي لبعدهم فقال : ( فبعداً لقوم ( اي أقوياء على ما يطلب منهم ) لا يؤمنون ) أي لا يتجدد منهم إيمان وإن جرت عليهم الفصول الأربعة ، لأنه لا مزاج لهم معتدل .
المؤمنون : ( 45 - 48 ) ثم أرسلنا موسى. .. . .
) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ الْمُهْلَكِينَ ( ( )
ولما كان آل فرعون قد أنكروا الإيمان لبشر مثلهم كما قال من تقدم ذكره من قوم نوح والقرن الذي بعدهم ، وكانوا أترف أهل زمانهم ، وأعظمهم قوة ، وأكثرهم عدة ، وكانوا يستعبدون بني إسرائيل ، وكان قد نقل إلينا من الآيات التي أظهر رسولهم ما لم ينقل إلينا مثله لمن تقدمه ، صرح سبحانه بهم ، وطأن الرسالة إليهم كانت بعد فترة طويلة ، فدل عليها بحرف التراخي فقال : ( ثم أرسلنا ( اي بما لنا من العظمة ) موسى ( وزاد في التسلية بقوله : ( وأخاه هارون ( اي عاضداً له وبياناً لأن إهلاك فرعون وىله جميعاً مع إنجاء الرسولين معاً ومن آمن بهما لإرادة الواحد القهار لإفلاح المؤمنين وخيبة الكافرين ) بآياتنا ( اي المعجزات ، بعظمتنا لمن يباريها ) وسلطان مبين ( اي حجة ملزمة عظيمة واضحة ، وهي حراسته وهو وحده ، وأعلاه على كل من ناواه وهم مع قوتهم ملء الرض وعجزهم عن كل ما يرمونه من كيدهن وهذه وإن كانت من جملة الآيات لكنها أعظمها ، وهي وحدها كافية في إيجاب التصديق ) إلى فرعون وملئه ) أي وقومه .
ولما كان الأطراف لا يخالفون الأشراف ، عدهم عدماً ، ومن الواضح أن التقدير : أن اعبدوا الله ، ما لكم من إله غيره ، واشار بقوله : ( فاستكبروا ( إلى أنهم أوجدوا الكبر عن الاتباع فيما دعوا إليه عقب الإبلاغ من غير تأمل ولا تثبت وطلبوا أن لا يكونوا