كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 206
سننكم ، إلم يقل الله : أكرم أباك وأمك ، والذي يقول كلاماً رديئاً في أبيه وأمه يستأصل بالموت ، وأنتم تقولون : من قال لأبيه أو لأمه .
إن القربان شيء ينتفع به ، فلا يكرم اباه وأمه ، فأبطلتم كلام الله من تلقاء روايتكم ؛ قال مرقس : وتفعلون كثيراً مثل هذا - اتنهى .
يا مراؤون حسناً يثني وقال مرقس : نعماً يثني عليكم أشياعاً قائلاً : إن هذا لاشعب قرب مني ويكرمني بشفتيه ، وقلبه بعيد عني ، يعبدونني باطلاً ويعلّمون تعليم وصايا الناس .
ودعا الجمع وقال لهم : اسمعوا وافهموا ، ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان ، لكن الذي يخرج من الفم ينجس الإنسان ، حينئذ جاء إليه تلاميذه وقالوا : اعلم أن الفريسيين لما سمعوا الكلام شكوا ، فأجابهم وقال : كل غرس لا يغرسه أبي السماوي يقلع ، دعوهم فإنهم عميان يقودهم عميان ، أجابه بطرس وقال : فسر لنا المثل فقال : حتى أنتم لا تفهمون ؟ أما تعلمون أن كل ما يدخل إلى الفم يصل إلى البطن وينطرد إلى المخرج ، فأما الذي يخرج من الفم فهو يخرج من القلب ، هذا الذي ينجس الإنسان ، لأنه يخرج من القلب الفكر الشرير : القتل الزنى الفسق السرقة وشهادة الزور التجديف ، هذا هو الذي ينجس الأنسان ، وأما الأكل بغير غسل الأيدي وفليس ينجس الإنسان ، وقال مرقس : إن كل ما كان خارجاً يدخل إلى فم الإنسان لا يقدر أن ينجسه لأنه لا يصل إلى القلب ، بل إلى الجوف ويذهب إلى خارج ، والذي يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان ، لأنه من داخل تخرج أفكار السوء : فجور الزنى قتل سرقة شره شر غش فسق عين شريرة تجديف تعاظم جهل ، هذا كله شر من داخل يخرج وينجس الإنسان انتهى .
وفيه مما لا يجوز إطلاقه في شرعنا : الأب - كما تقدم غير مرة .
ولما بين أن عيسى عليه السلام على منهاج إخوانه من الرسل في الأكل والعبادة ، وجميع الأحوال ، زاد ي تحقيق ذلك بياتاً لمن ضل بأن اعتقد فيه ما لا يليق به ، فقال مخاطباً لجميعهم بعد إهلاك من عاندهم من قومهم على وجه يشمل ما قبل ذلك رداً لمن جعله موجباً لإنكار الرسالة ، وتبكيتاً لمن ابتدع الرهبانية من أمة عيسى عليه السلام ، إعلاماً بأن كل رسول قيل له معنى هذا الكلام فعمل به ، فكانوا كأنهم نودوا به في وقت واحد ، فعبر بالجمع ليكون أفخم له فيكون أدعى لقبوله : ( يا أيها الرسل ( من عيسى وغيره ) كلوا ( أنتم ومن نجيناه معكم بعد إهلاك المكذبين .
ولما علو عن رتبة الناس ، فلم يكونوا أرضيين ، لم يقل
77 ( ) مما في الأرض ( ) 7
[ البقرة : 168 ] وعن رتبة الذين آمنوا ، لم يقل
77 ( ) من طيبات ما رزقناكم ( ) 7
[ البقرة : 172 ] ليكنوا عابدين نظراً إلى النعمة أو حذراً من النقمة ، كما مضى بيانه في سورة البقرةن بل قال : ( من الطيبات ) أي الكالملة اليت مننت عليكم بخلقها لكم وإحلالها وإزالة الشبه

الصفحة 206