كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 208
مجتمعاً متصلاً ) بينهم ( فكانوا شيعاً ، وهو معنى ) زبراً ) أي قطعاً ، كل قطعة منها في غاية القوة والاجتماع والثبات على ما صارت إليه من الهوى والضلال ، بكل شيعة طريقة في الضلال عن الطريق الأمم ، والمقصد المستقيم ، وكتاب زبروه في أهويتهم ولم يرحموا أنفسهم بما دعتهم إليه الهداة من الاجتماع والألفة فأهلكوها بالبغضاء والفرقة ، وهو منصوب بأنه مفعول ثان لتقطع على ما مضى تخريجه في الأنبياء ، وقد ظهر كما ترى ظهوراً بيناً أن هذه غشارة إلى الناجين من أمة كل نبي بعد إهلاك أعدائهمن اي أن هذه الجماعة الذين أنجيتهم معكم أمتكم ، حال كونهم أمة واحدة متفقين في الدين ، لا خلاف بينهم ، وكما أن جماعتكم واحدة فإنا ربكم لا رب لكم غيري فاتقون ولا يخالف أحد منكم أمري ولا تختلفوا لئلا أعذب العاصي منكم كما عذبت أعداءكم .
ولما كان هذا مما لا يرضاه عاقل ، أجيب من كأنه قال : هل رضوا بذلك مع انكشاف ضرره ؟ بقوله : ( كل حزب ) أي فرقة ) بما لديهم ) أي من ضلال وهدى ) فرحون ) أي مسرورن فضلاً عن أنهم راضون غير معرج الضال منهم على ما جاءت به الرسل من الهدى ، ولا على الاعتبار بما اتفق لأممهم بسبب تكذيبهم من الردى .
ولما أنتج هذا الضلال وإن وضح لا يكشفه إلا ذو الجلال ، سبب عنه سبحانه قوله تسلية لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فذرهم ( اي اتركهم على شر حالاتهم ) في غمرتهم ) أي الضلاله التي غرقوا فيها ) حتى حين ) أي إلى وقت ضربناه لهم من قبل أن نخلقهم ونحن عالمون بكل ما يصدر منهم على أنه وقت يسير .
ولما كان الموجب لغرورهم ظنهم أن حالهم - في بسط الأرزاق من الأموال والأولاد - حال الموعود لا المتوعد ، أنكر ذلك عليهم تنبيهاً لمن سبقت له السعادة ، وكتبت له الحسنى وزيادة ، فقال : ( أيحسبون ) أي لضعف عقولهم ) أنما ) أي الذين ) نمدهم ( على عظمتنا ) به ) أي نجعله مدداً لهم ) من مال ( نسيره لهم ) وبنين ( نمتعهم بهم ، ثم أخبر عن ( أن ) بدليل قراءة السلمي بالياء التحتية فقال : ( نسارع لهم ) أي به بإدرارنا له عليهم في سرعة من يباري آخر ) في الخيرات ( التي لا خيرات غلا هي لأنها محمودة العاقبة ، ليس كذلك بل هو وبال عليهم لأ ، ه استدراج إلى الهلاك لأنهم غير عاملين بما يرضي الرحمن ) بل ( هم يسارعون في أسباب الشرور ، ولا يكون عن السبب إلا مسببه ، ولكنهم كالبهائم ) لا يشعرون ( أنهم في غاية البعد عن الخيرات
77 ( ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( ) 7
[ القلم : 44 ] .