كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 210
غضبي ) أي أنهم مطيقون لها ومعانون عليها ) ولا ) أي والحال أنا لا نكلفهم ولكنه عم فقال : ( نكلف نفساً ) أي كافرة ومؤمنة ) إلا وسعها ( فلا يقدر عاص على أن يقول : كنت غير قادر على الطاعة ، ولا يظن بنا مؤمن أنا نؤاخذه بالزلة والهفوة ، فإن أحداً لا يستطيع أ ، يقدرنا حق قدرنا لأن مبنى المخلوق على العجز .
ولما كانت الأعمال إذا تكاثرت وامتد زمنها تعسر أو تعذر حصرها إلا بالكتابة عامل العباد سبحانه بما يعرفون مع غناه عن ذلك فقال : ( ولدينا ( اي عندنا على وجه هو أغرب الغريب ) كتاب ( وعبر عن كونه سبباً للعلم بقوله : ( ينطق ( بما كتب فيه ن أعمال العباد من خير وشر صغير وكبير ) بالحق ( اي الثابت الذي يطابقه الواقع ، قد كتب فيه أعمالهم من قبل خلقهم ، لا زيادة فيها ولا نقص ، تعرض الحفظة كل يوم عليه ما كتبوه مما شاهدوه بتحقيق القدر له فيجدونه محرراً بمقاديره وأقاته وجميع أحواله قيزدادون به إيماناً ، ومن حقيته أنه لا يستطاع إنكار شيء منه .
ولما أفهم ذلك نفي الظلم ، صرح به فقال : ( وهم ( اي الخلق كلهم ) لا يظلمون ( من ا لظالم ما بزيادة ولا نقص في عمل ولا جزاء .
ولما كان التقدير : ولكنهم بذلك لا يعلمون ، قال ) بل قلوبهم ) أي الكفرة من الخلق ؛ ويجوز أن يكون هذا الإضراب بدلاً من قوله ) بل لا يشعرون ( ) في غمرة ) أي جهالة قد أغرقتها ) من هذا ) أي الذي أخبرنا به من الكتاب الحفيظ فهم به كافرون ) ولهم أعمال ( وأثبت الجار إشارة إلى أنه لا عمل لهم يستغرق الدون فقال : ( من دون ذلك ( اي مبتدئة من أدنى رتبة التكذيب من سائر المعاصي لأجل تكذيبهم بالكتاب المستلزم لتكذيبهم بالبعث المستلزم لعدم الخوف المستلزم للإقدام على كل معضلة ) هم لها ( اي دائماُ ) عاملون ( لا شيء يكفهم عجزهم عنها .
ولما كانوا كالبهائم لا يخافون من المهلكة إلا عند المشاهدة ، غيَّى عملهم للخبائث بالأخذ فقال : ( حتى إذا أخذنا ) أي بما لنا من العظمة ) مترفيهم ( الذين هم الرؤساء القادة ) بالعذاب ( فبركت عليهم كلاكله ، وأناخت بهم أعجازه وأوائله ) إذا هم ( كلهم المترف ومن تبعه من باب الأولى ) يجأرون ) أي يصرخون دلاًّ وانكساراً وجزعاً من غير مراعاة لنخوة ، لا استكباراً ، وأصل الجأر وفع الصوت بالتضرع - قاله البغوي ، فكأنه قيل : فهل يقبل اعتذارهم أو يرحم انكسارهم ؟ فقيل : لا بل يقال لهم بلسان الحال أو القال : ( لا تجأروا اليوم ( بعد تلك الهمم ، فإن الرجل من لا يفعل شيئاً