كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 212
الإدغام ، ليعلموا أنه موجب للإقبال والوصال ، والوصف بأحسن المقال ، لعله عبر بالقول إشارة إلى أن من لم يتقبله ليس بأهل لفهم شيء من القول بل هو في عداد البهائم ) أم جاءهم ( في هذا القول من الأوامر بالتوحيد الآتي بها الرسول الذي هو من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وما ترتب على ذلك من الأوامر التي لا يجهل حسم فعلها عاقل ، والنواهي التي - كما يشهد بقبح إتيانها العالم - يقطع بها الجاهل ، وبالرسالة برسول من البشر ) ما لم يأت آباءهم الأولين ( الذين بعد إسماعيل وقبله .
ولما كان الرجل الكانل من عرف الرجال بالحق ، بدأ بما أشار إليه ثم أعقبه بمن يعرف الشيء للالف به ، ثم بمن يعرف الحق بالرجال فقال : ( أم لم يعرفوا رسولهم ) أي الذي أتاهم بهذا القول الذي لا قول مثله ، ويعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ، وما فاتهم به من معالي الأخلاق حتى أنهم لا يجدون فيه - إذا حقت الحقائق - نقيصة يذكرونها ، ولا صمة يتخيلونها ، كما دلت عليه الأحاديث الصحاح منها حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه الذي في أول البخاري في سؤال هرقل ملك الروم له عن شأنه ( صلى الله عليه وسلم ) ) فهم ) أي فتسبب عن جهلهم به أنهم ) له ) أي نفسه أو للقول الذي أتى به ) منكرون ( فيكونوا ممن جهل الحق لجهل حال الآتي به ، فلم يحرز شيئاً من رتبتي الناس ، لا رتبة العلماء الناقدين ، ولا رتبة الجهال المتقلدين ، وفي هذا غاية التوبيخ لهم بجهلهم وبعنادهم بأنهم يعرفون أنه أصدق الخلق وأعلاهم في كل معنى جميل ثم يكذبونه .
ولما فرغ بما قد يجر إلى الطعن في القول أو القائل ، أشار إلى العناد في أمر القائل والقول والرسول بقوله : ( أم يقولون ( اي بعد تدبر ما أتى به وعدم عثورهم فيه على وجه من وجوه الطعن ) به ) أي برسولهم ) جنة ) أي فلا يوثق به لأنه قد يخلط فيأتي بما فيه مطعن وإن خفي وجه الكعن فيه الحال .
ولما كانت هذه الأقسام منتفية ولا سيما الأخير المستلزم عادة للتخليط المستلزم للباطل ، فإنهم أعرف الناس بهذا الرسول الكريم وأنه أكملهم خلقاً ، واشرفهم خلقاً ، وأطهرهم شيماً ، وأعظمهم همماً ، وأرجحهم عقلاً ، وأمتنهم رأياً وأرضاهم قولاً ، وأصوبهم فعلاً ، اضرب عنها وقال : ( بل ) أي لم ينكصوا عند سماع الآيات ويسمروا ويهجروا لاعتقاد شيء مما مضى ، وإنما فعلوا ذلك لأن هذا الرسول الكريم ) جاءهم بالحق ( الذي لا تخليط فيه بوجه ، ولا شيء أثيت منه ولا أبين مما فيه من