كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 213
التوحيد والأحكام ، ولقد أوضح ذلك تحديهم بهذا الكتاب فعجزوا فهو بحيث لا يجهله منصف ) وأكثرهم ) أي والحال أن أكثرهم ) للحق كارهون ( متابعة للأهواء الرديئة والشهوات البهيمية عناداً ، وبعضهم ، يتركونه جهلاً وتقليداً أو خوفاً من أن يقال : صبأ ، وبعضهم يتبعه توفيقاً من الله وتأييداً .
ولما كان ربما قيل : ما له ما كان بحسب أهوائهم فكانوا يتبعونه ويستريح ويستريحون من هذه المخالفات ، التي جرت إلى المشاحنات ، فأوجبت أعظم المقاطعات ، قال مبيناً فساد ذلك ، ولعله حال من فاعل كاره ، فإن جزاءه خبري مسوغ لكونه حالاً كما ذكره الشيخ سعد الدين في بحث المسند ، أو هو معطوف على ما تقديره : فلو تركوا الكره لأحبوه ولو أحبوه لأتبعوه ولو اتبعوه لانصلحوا وأصلحوا ) ولو اتبع الحق ) أي في الأصول والفروع والأحوال والأقوال ) أهواءهم ) أي شهواتهم التي تهوي بهم لكونها أهواء - بما أشار غليه الافتعال ) لفسدت السماوات ( على علوها وإحكامها ) والأرض ( على كثافتها وانتظامها ) ومن فيهن ( على كثرتهم وانتشارهم وقوتهم ، بسبب ادعائهم تعدد الآلهة ، ولو كان ذلك حقاً لأدى ببرهان التمانع إلى الفساد ، وبسبب اختلاف أهوائهم واضطرابها المفضي إلى النزاع كما ترى من الفساد عند اتباع بعض الأغراض في بعض الأزمان إلى أن يصلحها الحق بحكمته ، ويقمعها بهيبته وسطوته ، ولكنا لم نتبع الحق أهواءهم ) بل أتيناهم ( بعظمتنا ) بذكرهم ( وهو الكتاب الذي في غاية الحكمة ، ففيه صلاح العلم وتمام انتظامه ، فإذا تأمله الجاهل صده عن جهله فسعد في أقواله وأفعاله ، وبان له الخير في سائر احواله ، وإذا تدبره العالم عرج به إلى نهاية كماله ، فحينئذ يأتي السؤال عمن أنزله ، فتخضع الرقاب ، وعمن أنزل عليه فيعظم في الصدور ، وعن قومه فتجلهم النفوس ، وتنكس لمهابتهم الرؤوس ، فيكون لهم أعظم ذكر وأعلى شرف .
ولما جعلوا ما يوجب الإقبال سبباً للإدبار ، قال معجباً منهم : ( فهم عن ذكرهم ) أي الذي هو شرفهم ) معرضون ( لا يفوتنا بإعراضهم مراد ، ولا يلحقنا به ضرر ، إنما ضرره عائد إليهم ، وراجع في كل حال عليهم .
ولما أبطل تعالى وجوه طعنهم في المرسل به والمرسل من جهة جهلهم مرة ، ومن جهة ادعائهم البطلان أخرى ، نبههم على وجه آخر هم أعرف الناس ببطلانه ليثبت المدعى من الصحة إذا انتفت وجوه المطاعن فقال منكراً : ( أم تسألهم ) أي على ما جئتهم به ) خرجاً ( قال البغوي : أجراً وجعلاً ، وقال ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم : والخرج والخراج شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم ،

الصفحة 213