كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 217
ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي ، حسن بعده كل الحسن قوله : ( بل ( وعدل إلى أسلوب الغيبة للإيذان بالغضب بقوله : ( قالوا ) أي هؤلاء العرب ) مثل ما قال الأولون ( من قوم ومن بعده ؛ ثم استأنف قوله : ( قالوا ( اي منكرين للبعث متعجبين من أمره : ( أإذا متنا وكنا ) أي بالبلى بعد الموت ) تراباً وعظاماً ( نخرة ، ثم أكدوا الإنكار بقولهم : ( أإنا لمبعثون ( اي من باعث ما .
ولما كان محط العناية في هذه السورة الخلق ةالإيجاد ، والتهديد لأهل العناد ، حكى عنهم أنهم قالوا : ( لقد وعدنا ( مقدماً قولهم : ( نحن وآباؤنا ( على قولهم : ( هذا ( اي البعث ) من قبل ( بخلاف النمل ، فإن محط العناية فيها الإيمان بالآخرة فلذلك قدم قوله ( هذا ) ، والمراد وعد آبائهم على ألسنة من أتاهم من الرسل غير أن الإخبار بشموله جعله وعداً للكل على حد سواء ، ثم استأنفوا قولهم : ( إن ( اي ما ) هذا إلا أساطير الولين ) أي كذب لا حقيقة له ، لأن ذلك معنى الإنكار المؤكد .
ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد ، ونفوه هذا النفي المحتم ، أمره أن يقررهم بأشياء هم بها مقرون ، ولها عارفون ، يلزمهتم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعاً ، فقال : ( قل ) أي مجيباً لإنكارهم البعث ملزماً لهم : ( لمن الأرض ) أي على سعتها وكثرة عجائبها ) ومن فيها ( على كثرتهم واختلافهم ) إن كنتم ( اي بما هو كالجبلة لكم ) تعلمون ) أي أهلاً للعلم ، وكأنه تنبيه لهم على أنهم أنكروا شيئاً لا ينكره عاقل .
ولما كانوا مقربين بذلك ، أخبر عن جابهم قبل جوابهمن ليكون من دلائل النبوة وأعلام الرسالة بقوله استئنافاً : ( سيقولون ( اي قطعاً : ذلك كله ) لله ) أي المختص بصفات الكمال .
ولما كان ذلك دالاً على الوحدانية والتفرد بتمام القدرة من وجهين : كون ذلك كله له ، وكونه يخبر عن عدوه بشيء فلا يمكنه التخلف عنه ، قال : ( قل ) أي لهم إذا قالوا ذلك منكراً عليهم تسبيبه لعدم تذكرهم ولو علة أدنى الوجوه بما أشار إليه الإدغام : ( أفلا تتذكرون ) أي بذلك المركوز في طباعكم المقطوع به عندكم ، ما غفلتم عنه من تمام قدرته وباهر عظمته ، فتصدقوا ما أخبر به من البعث الذي هو دون ذلك ، وتعلموا أنه لا يصلح شيء منها - وهو ملكه - أن يكون شريكاً له ولا ولداً ، وتعلموا أنه لا يصح في الحكمة أصلاً أنه يترك البعث لأن أقلكم لا يرضى بترك حساب عبيده والعدل بينهم .
ولما ذكرهم بالعالم السفلي لقربه ، تلاه بالعالوي لأنه أعظم فقال على ذلك المنوال مرقياً لهم إليه : ( قل من رب ) أي خالق ومدبر ) السماوات السبع ( كما تشاهدون من حركاتها وسير نجومها ) ورب العرش العظيم ( الذي أنتم به معترفون ) سيقولون لله (

الصفحة 217