كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 219
) قل ( منكراً عليهم تسبيب ذلك لهم ادعاء أنه سحر ، أو صرف عن الحق كما يصرف المسحور ) فأنى تسحرون ) أي فكيف بعد إقراركم بهذا كله تدعون أن الوعيد بالبعث سحر في قولكم : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ، ومن اين صار لكم هذا الإعتقاد وقد أقررتم بما يلزم منه شمول العلم وتمام القدرة ؟ ومن أين تتخيلون الحق باطلاً ، أز كيف تفعلون فعل المسحور بما تأتون به من التخطيط في الأقوال والأفعال ، وتخدعون وتصرفون عن كل م ادعا إليه ؟ ولماكان الإنكار بمعنى النفي ، حسن قوله : ( بل ( اي ليس الأمر كما يقولون ، لم نأتهم بسحر بل ، أو يكون المعنى : ليس هو أساطير ، بل ) أتيناهم ( فيه على عظمتنا ) بالحق ) أي الكامل الذي لا حق بعده ، كما دلت عليه ( ال ) فكل ما أخبر به من التوحيد والبعث وغيرهما فهو حق ) وإنهم لكاذبون ( في قولهم ك إنه سحر لا حقيقة له ، وفي كل ما ادعوه من الولد والشريك وغيرهما مما بين القرآن فساده كما لزمهم بما أقروا به في جواب هذه الأسئلة الثلاثة .
ولما كان من أعظم كذبهم ما أشار إليه قوله تعالى
77 ( ) وقالوا اتخذ الحمن ولداً ( ) 7
[ مريم : 88 ] قال : ( ما اتخذ الله ) أي الذي لا كفوء له ، وأعرق في النفي بقوله : ( من ولد ( لا من الملائكة ولا من غيرهم ، لما قام من الأدلة على غناه ، وأنه لا مجانس له ، ولما لزمهم بإقرارهم أنه يجير ولا يجار عليه ، وأن السماوات والأرض ومن فيهما .
ولما كان الولد أخص من مطلق الشريك قال : ( وما كان ) أي بوجه من الوجوه ) معه ( فأفاد بعفل الكون نفي الصحة لينتفي الوجود بطريق الأول ) من إله ( وزاد ( من ) لتأكيد النفي ؛ ولما لزمهم الكذب في دعوى الإلهية بولد أو غيره من إقرارهم هذا ، أقام عليه دليلاً عقلياً ليتطابق الإلزامي والعقلي فقال : ( إذا ) أي إذ لو كان معه إله آخر ) لذهب كل إله بما خلق ( بالتصرف فيه وحده ليتميز ما له لغيره ) ولعلا بعضهم ( اي بعض الآلهة ) على بعض ( إذا تخالفت أوامرهم ، فلم يرض أحد منهم أن يضاف ما خلقه إلى غيره ، ولا أن يمضي فيه أمر على غير مراده ، كما هو مقتضى العادة ، فلا يكون المغلوب إلهاً لعجزه ، ولا يكون مجيراً غير مجار عليه ، بيده حده ملكوت كل شيء ، وفي ذلك إشارة غلى أنه لو لم يكن ذلك الاختلاف لأمكن أن يكون ، فكان إمكانه كافياً في إبطال الشركة لما يلزم ذلك من إمكان العجز المنافي للإلهية ، كما بين في الأنبياء .
ولما طابق الدليل الإلزام على نفي الشريك ، نزه نفسه الشريفة بما هو نتيجة ذلك بقوله : ( سبحان الله ( اي المتصف بجميع صفات الكمال ، المنزه عن كل شائبة نقص

الصفحة 219