كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 22
يثبتها ، فقال مفتتحاً بالحرف التوقع لأن حال السامع لادعاء الرسالة أن يتوقع دلالة على الإرسال : ( قد حئناك بآية ) أي علامة عظيمة وحجة وبرهان ) من ربك ( الذي لا إحسان عليك إلا منه ، موجبة لقبول ما ادعيناه من العصا واليد وغيرهما ، فأسلم تسلم ، وفي تكرير مخاطبته بذلك تأكيد لتبكيته في ادعاء الربوبية ، ونسبته إلى كفرا الإحسان ، فسلام عليك خاصة إن قبلت هدى الله ) والسلام ) أي جنسه ) على ( جنيع ) من اتبع ( بغاية جهده ) الهدى ( عامة ، وإذا كان هذا الجنس عليهم كان من المعلوم أن العطب على غيرهم ، فالمعنى : وإن أبيت عذبت ) إنا ) أي لأنا ) قد أوحي إلينا ( من ربنا ) أن العذاب ) أي كله ، لأن اللام للاستغراق أو الماهية ، وعلى التقديرين يقتضي قدر ثبوت هذا الجنس ودوامه لما تفهمه الاسمية ) على ( كل ) من كذب وتولى ) أي أوقع التكذيب والإعراض ، وذلك يقتضي أنه إن كان منه شيئ على مصدق منقضياً ، وإذا انقضى كان كأن لم يوجد ، وفي صرف الكلام عنه تنبيه على أنه ضال مكذب وتعليم للأدب .
ولما كان التقدير : فأتياه فقولا : إنا رسولا ربك - غلى آخر ما أمر به ، وتضمن قولهما أن لمرسلمها القدرة التامة والعلم الشامل ، فتسبب عنه سؤاله عن تعينه / أستأنف الإخبار عن جوابه بقوله : ( قال ) أي فرعون مدافعاً لهما بالمناظرة لا بالبطش ، لئلا ينسب إلى السفه والجهل : ( فمن ) أي تسبب عن كلامكما هذا الذي لا يجترىء على مواجهتي به أحد من أهل الأرض أن أسألكما : من ) ربكما ( الذي أرسلكما ، ولم يقل : ربي ، حيدة عن سواء النظر وصرفاً للكالم على الوجه الموضح لخزيه .
ولما كان موسى عليه السلام هو الأصل في ذلك ، وكان طمع فرعون بمكره وسوء طريقه في حبسه تحصل في لسانه ، أفرده بقوله : ( يا موسى قال ( له موسى على الفور : ( ربنا ) أي موجدنا ومربينا ومولانا ) الذي أعطى كل شيء ( مما تراه في الوجود ) خلقه ) أي ما هو عليه مما هو به أليق في المنافع المنوطة به ، والآثار التي تتأثر عنه من الصورة و الشكل والمقدار واللون والطبع وغير ذلك مما يفوت الحصر ، ويجل عن الوصف .
ولما كان في إفاضة الروح من الجلالة والعظم ما يضمحل عنده غيره من المفاوتة ، أشار إلى ذلك بحرف التراخي فقال : ( ثم هدى ) أي كل حيوان منه مع أن فيها العاقل وغيه إلى جميع منافعه فيسعى لها ، ومضاره فيحذرها ، فثبت بهذه المفاوتة والمفاضلة مع اتحاد نسبة الكل إلى الفاعل أنه واحد مختار ، وأن ذلك لو كان بالطبيعة المستندة إلى إلى النجوم أو غيرها كما كان يعتقده فرعون وغيره لم يكن هذا التفاوت .

الصفحة 22