كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 221
وهم المقصودون بالتهديد : ( وإنا ) أي بما لنا من العظمة ) على أن نريك ) أي قبل موتك ) ما نعدهم ( من العذاب ) لقادرون ( ولما لاح من هذا أن أخذهم وتأخيرهم في الإمكان على حد سواء ، وكانوا يقولون ويفعلون ما لا صبر عليه إلا بمعونة من الله ، كان كأنه قال فماذا أفعل فيما تعلم من أمرهم ؟ فقال آمراً له بمداواته : ( ادفع ( وفخم الأمر بالموصول لما فيه من الإيهام المشوق للبيان ثم بأفعل التفضيل فقال : ( بالتي هي أحسن ) أي من الأقوال والأفعال بالصفح والمداراة ) السيئة ( ثم خفف عنه ما يجد من ثقلها بقوله : ( نحن أعلم ) أي من كل عالم ) بما يصفون ( في حقك وحقنا ، فلو شئنا منعناهم منه أو عاجلناهم بالعذاب وليس أحد بأغير منا فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل .
ولما كان الصبر عليه لا يطاق إلا به سبحانه ، أمره بالدعاء بذلك فقال : ( وقل رب ( أيها المحسن إليّ ) أعوذ بك ) أي ألتجىء إليك ) من همزات الشياطين ) أي أن يصلوا إليّ بوساوسهم التي هي كالنخس بالمهماز في الإقحام في السيئات البعد عن مطلق الحسنات ، فكيف بالأحسن منها كما سلطتهم على الكافرين تؤزهم إلى القبائح أزاً ) وأعوذ بك رب ( اي أيها المربي لي ) أن يحضرون ) أي ولو لم تصل إليّ وساوسهم فإن حضورهم هلكة ، وبعدهم بركة ، لأنهم مطبوعون على الفساد لا ينفكون عنه .
ولما كان أضر أوقات حضورهم ساعة الموت ، وحالة الفوت ، فإنه وقت كشف الغطاء ، عما كتب من القضاء ، وآن اللقاء ، وتحتم السفول أوالارتقاء ، عقب ذلك بذكره تنبيهاً على بذل الجهد في الدعاء والتضرع للعصمة فيه فقال معلقاً بقوله تعالى : ( بل لا يشعرون ( أو بمبلسون ، منبهاً بحرف الغاية على انه سبحانه يمد في أزمانهم استدراجاً لهم : ( حتى ( أو يكون التقدير كما يرشد إليه السياق : فلا أكون من ا لكافرين المطيعين للشياطين حتى ) إذا جاء ( وقدم المفعول ليذهب الوهم في فاعله كل مذهب فقال : ( أحدهم الموت ( فكشف له الغطاء ، وظهر له الحق ، ولاحت له بوارق العذاب ، ولم يبق في شيء من ذلك ارتياب ) قال ( مخاطباً لملائكة العذاب على عادة جهاه ووقوفه مع المحسوس دأب البهائم : ( رب ارجعون ) أي إلى الدنيا دار العلم ؛ ويجوزأن يكون الجمع لله تعالى وللملائكة ، أو للتعظيم على عادة في مخاطبات الأكابر لا سيما الملوك ، أو لقصد تكرير الفعل للتأكيد .
ولما كان في تلك الحالة على القطع من اليأس من النجاة لليأس من العمل لفوات داره مع وصوله غلى حد الغرغرة قال : ( لعلي أعمل ) أي لأكون على رجاء من أن

الصفحة 221