كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 224
قولهم : ( ربنا ( يا من عودنا بالإحسان ) أخرجنا منها ( اي النار تفضلاً منك على عادة فضلك ، وردّنا إلى دار الدنيا لنعمل ما يرضيك ) فإن عدنا ( غلىمثل تلك الضلالات ) فإنا ظالمون ( فاستوئنف جوابهم بأن ) قال ( لهم كما يقال للكلبك ) اخسئووا ) أي انزجروا زجر الكلب وانطردوا عن مخاطبيت ساكتين سكوت هوان ) فيها ) أي النار ) ولا تكلمون ( اصلاً ، فإنكم لستم أهلاً لمخاطبتي ، لأنكم لم تزالوا متصفين بالظلم ، ومنه سؤالكم هذا المفهم لأن اتصافكم به لا يكون إلا على تقدير عودكم بعد إخراجكم .
ولما كانت الشماتة أسر السرور للشامت وأخزى الخزي للمشموت به ، علل ذلك بقوله : ( إنه كان ) أي كناً ثابتاً ) فريق ) أي ناس استضعفتموهم فهان عليكم فراقهم لكم وفراكم لهم وظننتم أنكم تفرقون شملهم ) من عبادي ) أي الذين هم أهل للإضافة إلى جنابي لخلوصهم عن الأهواء ) يقولون ( مع الاستمرار : ( ربنا ( أيها المحسن إلينا بالخلق والرزق ) آمنا ) أي أوقعنا الإيمان بجميع ما جاءتنا به الرسل لوجوب ذلك علينا لأمرك لنا به .
ولما كان عظم المقام موجباً لتقصير العابد ، وكان الاعتراف بالتقصير جابراً له قالوا : ( فاغفر لنا ( اي استر إيماننا عيوبنا التي كان تقصيرنا بها ) وارحمنا ( اي افعل بنا فعل الراحم من الخير الذي هو على صورة الحنو والشفقة والعطف .
ولما كان التقدير : فأنت خير الغافرين ، فإنك إذا سترت ذنباً أنسيته لكل أحد حتى للحفظة ، عطف عليه قوله : ( وأنت خير الراحمين ( لأنك تخلص مَنْ رحمته من كل شقاء وهوان ، بإخلاص الإيمان ، والخلاص من كل كفران .
ولما تسبب عن إيمان هؤلاء زيادة كفران أولئك قال : ( فاتخذتموهم سخرياً ) أي موضعاً للهزء والتلهي والخدمة لكم ، قال الشهاب السمين في إعرابه : والسخرة - بالضم : الاستخدام ، وسخريا - بالضم منها والسخر بدون هاء - الهزء والمكسور منه يعني على القراءتين وفي النسبة دلالة على زيادة قوة في الفعل كالخصوصية والعبودية ) حتى أنسوكم ) أي لأنهم كانوا السبب في ذلك بتشاغلكم بالاستهزاء بهم واستبعادهم ) ذكري ) أي أن تذكروني فتخافوني بإقبالكم بكليتكم على ذلك منهم .
ولما كان التقدير : فتركتموه فلم تراقبوني في أوليائي ، عطف عليه قوله : ( وكنتم ) أي بأخلاق هي كالجبلة ) منهم ( اي خاصة ) تضحكون ( كأنهم لما صرفوا قواهم إلى الاستهزاء بهم عد ضحكهم من غيرهم عدماً .