كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 225
المؤمنون : ( 111 - 113 ) إني جزيتهم اليوم. .. . .
) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَآدِّينَ ( ( )
ولما تشوف النفس بعد العلم بما فعل بأعدائهم إلى جزائهم ، قال : ( إني جزيتهم ) أي مقابلة على عملكم ) اليوم بما صبروا ( اي على عبادتي ، ولم يشغلهم عنها تألمهم بأذاكم كما كما شغلكم عنها التذاذكم بإهانتهم ، فوزَهم دونكم ، وهو معنى قوله : ( أنهم هم ) أي خاصة ) الفائزون ( اي الناجون الظافرون بالخير بعد الإشراف على الهلكة ، وغير العبارة لإفادة الاختصاص والوضوح والرسوخ ، وكسر الهمزة حمزة والكسائي على الاستئناف .
ولما كان الفائز - وهو الظافر - من لم يحصل له بؤس في ذلك الأمر الذي فاز به ، وكان قد أشار سبحانه بحرف الغاية وما شاكله إلى أنه مد لأهل الشقاء في الدنيا في الأعمار والأرزاق حتى استهانوا بعبادة السعداء ، فكان ربما قيل : إن أعداءهم فازوا بالاستهزاء بهم والرفعة عليهم في حال الدنيا ، وكان سبحانه قد أسلف ما يرد ذلك من الإخبار بأنه خلدهم في النار وأعرض عنهم وزجرهم عن كلامه ، وكان أنعم أهل الدنيا إذا غمس في النار غمسة ثم سئل عن نعيمة قال : ما رايت نعيماً قط ، فكان ذلك مجزاً لتقريع الأشقياء بسبب تضيع أيامهم وتنديمهم عليها .
تشوف السامع إلى أنه هل يسألهم عن تنعيمه لهم في الدنيا الذي كان جديراً منهم بالشكر فقابلوه بالكفر والاستهزاء بأوليائه ؟ فأجاب تشوفه ذلك مجهلاً لهم ومندماً ومنبهاً على الجواب أن فوزهم في الدنيا - لقلته التي هي أحقر من قطرة في جنب بحر - عدم ، بقوله : ( قال ( تاسيفاً على ما أضاعوا من عبادة يسيرة تؤرثهم سعادة لا انقضاء لها وارتكبوا من لذة قليلة أعقبتهم بؤساً لا آخر له - هذا على قراءة الجماعة ، وبين سبحانه بقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي أن القول بواسطة بعض عبادة الذين أقامهم لتعذيبهم إعارضاً عنهم أردنا أي لهؤلاء الذين ) ولا تكلمون ( فقال : ( قل ( اي يا من أقمناه للانتقام ممن أردنا أي لهؤلاء الذين غرتهم الحياة الدنيا على ما يرون من قصر مدتها ولعبها بأهلها فكفروا بنا واستهزؤوا بعبادنا : ( كم لبثتم في الأرض ( على تلك الحال التي كنتم تعدونها فوزاً ) عدد سنين ( أنتم فيها ظافرون ولأعدائكم قاهرون ، ولعله عبر بما منه الإسنات الذي معناه القحط إشارة إلى أن أيام الدنيا ضيقة حرجة وإن كان فيها سعة ، ولا سيما للكفرة بكفرهم وخبثهم ومكرهم الذي جرهم إلى أضيق الضيق وأسوأ العيش ) قالوا ( استقصاراً له في حنب ما رأوا من العذاب واستنقاذاً لأنفسهم ظناً أ ، مدة لبثهم في النار تكون بمقدار مكثهم في الدنيا : ( لبثنا يوماً ( ولعلهم ذكروا العامل تلذذاً بطول الخطاب ،