كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 228
على رتبته ، ومدحه ابلغ مدح لصاحبه ، والكريم من ستر مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها وتنزه عن كل دناءة ؛ قال القزاز : وأصل الكرم في اللغة الفضل والفعة .
ولما كان التقدير : فمن دعا الله وحده فأولئك هم المفلحون الوارثون في الدارين ، عطف عليه قوله : ( ومن يدع مع الله ( اي الملك الذي كفوء له لإحاطته بجميع صفات الكمال ) إلهاً ( ولما كانوا لتعنتهم ينسبون الداعي له سبحانه باسمين أو أكثر إلى الشرك ، قيد بقوله : ( آخر ( ثم أيقظ من سنة الغفلة ، ونبه على الاجتهاد والنظر في أيام المهملة ، بقول لا أعدل منه ولا أنصف فقال : ( لا برهان له ( ولما كان المراد ما يسمى برهاناً ولو على أدنى الوجوه الكافية ، عبر بالباء سلوكاً لغاية الإنصاف دون ( على ) المفهمة للاستعلاء بغاية البيان فقال : ( به ) أي بسبب دعائه فإنه إذا اجتهد في إقامة برهان على ذلك لم يجد ، بل وجد البراهين كلها قائمة على نفي ذلك ، داعية إلى الفلاح باعتقاد التوحيد والصلاح ، هذا المراد ، لا أنه يجوز أن يقوم على شيء غيره برهان ) فإنما حسابه ) أي جزاؤه الذي لا تمكن زيادته ولا نقصه ) عند ربه ( الذي رباه ، ولم يربه أحد سواه ، وغمره بالإحسان ، ولم يحسن إليه أحد غيره ، الذي هو أعلم بسريرته وعلانيته منه نفسه ، فلا يخفى عليه شيء من أمره .
ولما أفهم كون حسابه عند هذا المحسن أحد أمرين : إما الصفح بدوام الإحسان ، وإما الخسران بسبب الكفران ، قال على طريق الجواب لمن يسأل عن ذلك : ( إنه لا يفلح ( ووضع ) الكافرون ( موضع ضميره تنبيهاً على كفره وتعميماً للحكم ، فصار أول السورة وآخرها مفهماً لأن الفلاح مختص به امؤمنون .
ولما كان الأمر كذلك ، أمر سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالاجتهاد في إنقاذ عباده حتى بالدعاء لله في إصلاحهم ليكون الختم بالرحمة للمؤمنين ، كما كان الافتتاح بفلاحهم ، فقال عاطفاً على قوله ) ادفع بالتي هي أحسن ( فإنه لا إحسان أحسن من الغفران ، أو على معنى ) قال كم لبثتم ( الذي بينته قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي بالأمر : ( وقل ( ، أو يكون التقدير : فأخلص العبادة له ) وقل ( لأجل أن أحداً لا يقدره حق قدره : ( رب ( أيها المحسن إليّ ) اغفر وارحم ) أي أكثر من تعليق هاتين الصفتين في امتي لتكثرها ، فإن في ذلك شرفاً لي ولهم ، فأنت خير الغافرين ) وأنت خير الراحمين ( فَمنْ رحمته أفلح بما توفقه له من امتثال ما أشرت إليه أول السورة ، فكان من المؤمنين ، فكان من الوارثين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، فقد انطبق على الأول هذا الآخر بفوز كل مؤمن ، وخيبة كل كافر ، نسأل الله تعالى أن يكون لنا أرحم راحم وخير غافر ، إنه المتولي للسرائر ، والمرجو لإصلاح الضمائر - آمين .
.. .. .