كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 243
تمالأ عليه رجال ونساء قال : ( ظن المؤمنون ) أي منكم ) والمؤمنات ( وكان الأصل : ظننتم ، ولكنه التفت غلى الغيبة تنبيهاً على التوبيخ ، وصرح بالنساء ، ونبه على الوصف المقتضي لحسن الظن تخويفاً للذي ظن السوء من سوء الخاتمة : ( بأنفسهم ( حقيقة ) خيراً ( وهم دون من كذب عليها ، فقطعوا ببراءتها لأن الإنسان لا يظن بالناس إلا ما هو متصف به أو بإخوانهم ، لأن المؤمنين كالجسد الواحد ، أو ظنوا ما يظن بالرجل لو خلا بأمه ، وبالمرأة إذا خلت بابنها ، فإن نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمهات المؤمنين ) وقالوا هذا إفك ) أي كذب عظيم خلف منكب على وجهه ) مبين ) أي واضح في نفسه ، موضح لغيره ، وبيانه وظهوره أن المرتاب يكاد يقول : خذوني فهو يسعى في التستر جهده ، فإتيان صفوان بعائشة رضي الله عنها راكبة على جملة داخلاً به الجيش في نحر الظهيرة والناس كلهم يشاهدون ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهرهم ينزل عليه الوحي ، إدلالاً بحن عمله ، غافلاً عما يظن به أهل الريب ، أدل دليل على البراءة وكذب القاذفين ، ولو كان هناك أدنى ريبة لجاء كل منهما وحده على وجه من التستر والذعر ، تعرف به خيانته ، فالأمور تذاق ، ولا يظن الإنسان بالناس غلا ما في نفسه ، ولقد عمل أبو أيب الأنصاري وصاحبته رضي الله عنهما بما أشارت إليه هذه الآية ؛ قال ابن اسحاق : حدثني أبي اسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها ؟ قال : بلى وذلك كذب ، أكنت يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت لا والله ما كنت لأفعله ، فنزلت الآية على وفق قوله رضي الله عنه .
ثم علل سبحانه بيان كذب الآفكين بأن قال موبخاً لمن اختلقه وأذاعه ملقناً لمن ندبه غلى ظن الخير : ( لولا ) أي هلا ولم لا ) جاؤوا ) أي المفترون له أولاً ) عليه ( إن كانوا صادقين ) بأربعة شهداء ( كما تقدم أن القذف لا يباح إلا بها .
ولما تسبب عن كونهم لم يأتوا بالشهداء كذبهم قال ) فإذا ( اي فحين ) لم يأتوا بالشهداء ( اي الموصوفين ) فأولئك ( اي البعداء من الصواب ) عند الله ) أي في حكم الملك الأعلى ، بل وفي هذه الواقعة بخصوصها في علمه ) هم الكاذبون ( اي الكذب العظيم ظاهراً وباطناً .
ولما بين لهم بإقامة الدليل على كذب الخائضين في هذا الكلام أنهم استحقوا الملام ، وكان ذلك مرغباً لأهل التقوى ، بين أنهم استحقوا بالتقصير في الإنكار عموم الانتقام في سياق مبشر بالعفو ، فقال عاطفاً على ) ولولا ( الماضية : ( ولولا فضل الله ) أي المحيط بصفات الكمال ) عليكم ورحمته ) أي معاملته لكم بمزيد الأنعام ، الناظر