كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 244
إلى الفضل والإكرام ، اللازم للرحمة ) في الدنيا ( بقبول التوبة والمعالمة بالحلم ) والآخرة ( بالعفو عمن يريد أن يعفو عنه منكم ) لمسكم ) أي عاجلاً عموماً ) في ما أفضتم ) أي اندفعتم على أي وجه كان ) فيه ( بعضكم حقيقة ، وبعضكم مجازاً بعدم الإنكار ) عذاب عظيم ) أي يحتقر معه اللوم والجلد ، بأن يهلك فيتصل به عذاب الآخرة ؛ ثم بين وقت حلوله وزمان تعجيله بقوله : ( إذ ) أي مسكم حين ) تلقونه ) أي تجتهدون في تلقي أي قبول هذا الكلام الفاحش وإلقائه ) بألسنتكم ( بإشاعة البعض وسؤال آخرين وسكوت آخرين ) وتقولون ( وقوله : ( بأفواهكم ( تصوير لمزيد قبحه ، وإشارة إلى أنه قول لا حقيقة له ، فلا يمكن ارتسامه في القلب بنوع دليل ؛ وأكد هذا المعنى بقوله : ( ما ليس لكم به علم ( اي بوجه من الوجوه ، وتنكيره للتحقير ) وتحسبونه ( بدليل سكوتكم عن إنكاره ) هيناً وهو ( اي والحال أنه ) عند الله ) أي الذي لا يبلغ أحد مقدار عظمته ) عظيم ) أي في حد ذاته ولو كان في غير أم المؤمنين رضي الله عنها ، فكيف وهو في جنابها المصون ، وهي زوجة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم .
ولما بين فحشه وشناعته ، وقبحه وفظاعته ، عطف على التأديب الأول في قوله ) لولا إذا سمعتموه ( تأديباً فقال : ( ولولا إذ ( اي وهلا حين ) سمعتموه قلتم ) أي حين سماع من غير توقف ولا تلعثم ، وفصل بين آلة التحضيض والقول المحضض عليه بالظرف لأن الظروف تنزل من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيها ، وأنها لا انفكاك لها عنه ، ولأن ذكره منبه على الاهتمام به لوجوب المابدرة غلى المحضض عليه : ( ما يكون ( اي ما ينبغي وما يصح ) لنا لأن نتكلم ( حقيقة بالنطق ولا مجازاً بالسكوت عن الإنكار ) بهذا ( اي بمثله في حق أدنى الناس فكيف بمن اختارها العليم الحكيم لصحبة أكمل الخلق ، تعجباً من أن يخطر بالبال ، في حال من الأحوال .
ولما كان تنزيه الله تعالى في مثل ذلك وإن كان للتعجب إشارة إلى تنزيه المقام الذي وقع فيه التعجب تنزيها عظيماً ، حسن أن يوصل بذلك قوله تعليلاً للتعجب والنفي : ( هذا بهتان ) أي كذب يبهت من يواجه به ، ويحيره لشدة ما يفعل في القوى الباطنة ، لأنه في غاية الغفلة عنه لكونه ابعد الناس منه ؛ ثم هوله بقوله : ( عظيم ( والمراد أن الذي ينبغي للإنسان أولاً أن لا يظن بإخوانه المؤمنين ولا يسمع فيهم إلا خيراً ، فإن غلبه الشيطان وارتسم شيء من ذلك في ذهنه فلا يتكلم به ، ويبادر إلى تكذيبه .

الصفحة 244