كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 247
) والمنكر ( وهو ما لم يجوزه الشرع ، فهو أولاً يقصد أعلى الضلال ، فإن لم يصل تنزل إلى أدناه ، وربما درج بغير ذلك ، ومن المعلوم أن من اتبع من هذا سبيله عمل بعمله ، فصار في غاية السفول ، وهذا أشد في التنفير من إعادة الضمير في ) فإنه على من ( والله الموفق .
ولما كان التقدير : فلولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان مع أمره بالقبائح ، عطف عليه قوله : ( ولولا فضل الله ) أي ذي الجلال والإكرام ) عليكم ( اي بتطهير نفوسكم ورفعها عما تعشقه من الدنايا إلى المعالي ) ورحمته ( لكم بإكرامكم ورفعتكم بشرع التوبة المكفرة لما جرّ إليه الجهل من ناقص الأقوال وسفاف الأفعال ) ما زكى ) أي طهر ونما ) منكم ( وأكد الاستغراق بقوله : ( من أحد ( وعم الزمان بقوله : ( أبداً وكن الله ( اي بجلاله وكماله ) يزكي ( اي يطهر وينمي ) من يشاء ( من عباده ، من جميع أدناس نفسه وأمراض قلبه ، وإن كان العباد وأخلاقهم في الانتشار والكثرة بحيث لا يحصيهم غيره ، فلذلك زكى منكم من شاء فصانه عن هذا الإفك ، وخذل من شاء .
ثم ختم الآية بما لا تصح التزكية بدونه فقال : ( والله ( اي الذي له جميع صفات الكمال ) سميع ( اي لجميع أقولهم ) عليم ( بكل ما يخطر في بالهم ، وينشأ عن أحوالهم وأفعالهم ، فهو خبير بمن هو أهل للتزكية ومن ليس بأهل لها ، فاشكروا الله على تزكيته لكم من الخوض في مثل ما خاض فيه غيركم ممن خذله نوعاً من الخذلان ، واصبروا على ذلك منهم ، ولا تقطعوا إحسانكم عنهم ، فإن ذلك يكون زيادة في زكاتكم ، وسبباً لإقبال من علم فيه الخير منهم ، فقبلت توبته ، وغسلت حوبته ، وهذا المراد من قوله : ( ولا يأتل ) أي يحلف مبالغاً في اليمين ) أولو الفضل منكم ( الذين جعلتهم بما آتيتهم من العلم والأخلاق الصالحة أهلاً لبر غيرهم ) والسعة ) أي بما أوسعت عليهم في دنياهم .
ولما كان السياق والسباق واللحاق موضحاً للمراد ، لم يحتج إلى ذكره أداة النفي فقال : ( أن يؤتوا ( ثم ذكر الصفات المقتضية للإحسان فقال : ( أولي القربى ( وعددها بأداة العطف تكثيراً لها وتعظيماُ لأمرها ، وإشارة إلى أن صفة منها كافية في الإحسان ، فكيف إذا اجتمعت فقال سبحانه : ( والمساكين ) أي الذين لا يجدون ما يغنيهم وإن لم تكن لهم قرابة ) والمهاجرين ( لأهلهم وديارهم وأموالهم ) في سبيل الله ) أي الذي عم الخلائق بجوده لما له من الإحاطة بالجلال والإكرام وإن انتفى عنهم الوصفان الأولان ، فإن هذه الصفات مؤذنة بأنهم ممن زكى الله ، وتعدادها بجعلها علة للعفو - دليل على أن

الصفحة 247