كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 255
ولما كان التقدير : فالله لا يمنعكم مما ينفعكم ، ولا يضر غيركم ، عطف عليه قوله : ( والله ) أي الملك الأعظم ) يعلم ( في كل وقت ) ما تبدون ( وأكد بإعادة الموصول فقال : ( وما تكتمون ( تحذيراً من أن تزاحموا أحداً في مباح بما يؤذيه ويضيق عليه ، معتلين بأصل الإباحة ، أو يؤذن لكم في منزل فتبطنوا فيه الخيانه فإنه وإن وقع الاحتراز من الخونة بالحجاب فلا بد من الخلطة لما بني عليه الإنسان من الحاجة إلى العشرة ، ولذلك اتصل به على طريق الاشتئناف قوله تعالى ؛ مقبلاً على أعلى خلقه فهماً وأشدهم لنفسه ضبطاً دون بقيتهم ، إشارة إلى صعوبة الأمر وخطر المقام ، مخوفاً لهم بالإعراض عنهم ، بالتردي برداء الكبر ، والاحتجاب في مقام القهر : ( قل للمؤمنين ( فعبر بالوصفإشارة إلى عدم القدرة على الحتراز من المخالط بعد الخلطة ، وأنه لا يعف فيها إلا من رسخ الإيمان في قلبه لخفاء الخيانة حينئذ بخلاف ما سبق في المنع من الدخول حيث كان التعبير ب ( الذين آمنوا ) ) يغضوا ) أي يخفضوا ولا يرفعوا ، بل يكفوا عما تهوا عنه ، ولما كان الأمر في غاية العسر ، قال : ( من أبصارهم ( بإثبات من التبعيضية إشارة غلى العفو عن النظرة الأولى ، وأن المأخوذ به إنما هو التمادي ، ولما كان البصر يريد الزنى قدمه .
ولما كان حفظ الفرج لخطر المواقعة اسهل من حفظ البصر ، ولأنه لا يفعل به من غير اختبار ، حذف ( من ) لقصد العموم فقال : ( ويحفظوا فروجهم ) أي عن كل حرام من كشف وغيره ولم يستثقن الزوجة وملك اليمين استغنا عنه بما سبق في المؤمنون ، ولأن المقام للتهويل في أمر للحفظ والتشديد ، ورغب في ذلك بتعليله بقوله : ( ذلك ) أي الأمر العالي العظيم من كل من الغض والحفظ الذي أمرتهم به ) أزكى لهم ) أي أقرب إلى أن ينموا ويكثروا ويطهروا حساً ومعنى ، ويبارك لهم ، أما الحسي فهو أن الونى مجلبة للموت بالطاعون ، ويورث الفقر وغيرهما من البلايا ( ما من قوم ظهر فيهم الزنى إلا أخذوا بالسنة ) رواه أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، ورواه عنه أبو القاسم عبد الرحنم بن عبد الحكم في كتاب الفتوح ولفظه ( ما من قوم يظهر فيهم الزنى إلا أخذوا بالفنا وما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة ، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب الزنى يورث الفقر ) رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما

الصفحة 255