كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 26
والقلب لأن من قدر على مثل ذلك فهو قادر على غيره من أمثاله من خوارق العادات ، لأن الممكنات بالنسبة إلى قدرته على حد سواء ، لا سيما والذي ذكر أمهات الآيات كما سيومأ إليه إن شاء الله تعالى في سورة الانبياء ) فكذب ) أي بها ) وأبى ) أي أن يرسل بني إسرائيل ؛ وهذا ابلغ من تعديد ما ذكر في الأعراف ، فكأنه قيل : كيف صنع في تكذيبه وإبائه ؟ فقيل : ( قال ( حين لم يجد مطعناً مخيلاً للقبط بما يثيرهم حمية لأنفسهم أنه علم حقية ما جاء به موسى وظهوره ، وتقبل العقول له ، فخاف أن يتبعه الناس ويتركوه ، ووهن في نفسه وهناً عظيماً بتأمل كلماته مفردة ومركبةة يعرف مقداره : ( أجئتنا لتخرجنا من أرضننا ( هذه التي نحن مالكوها ) بسحرك يا موسى ( فخيل إلى أتباعه أن ذلك سحر ، فكاتن ذلك - مع ما ألفوه من عادتهم في الضلال - صارفاً لهم عن اتباع ما رأوا من البيان ، ثم وصل بالفاء السببية قوله مؤكداً إيذاناً بعلمه أن ما أتى به موسى ينكر كل من يراه أن يقدر غيره على معارضته : ( فلنأتينك ) أي وإلإله الأعظم بوعد لا خلف فيه ) بسحر مثله ( تأكيدأ لما خيل به ؛ ثم أظهر النصفة والعدل إيثاقاً لربط قومه فقال : ( فاجعل بيننا وبينك موعداً ) أي من الزما والمكان ) لا نخلفه ) أي لا نحعله خلفنا ) نحن ولا أنت ( بأن تقعد عن إتيانه .
ولما كان من الزمان والمكان لا ينفك عن الآخر قال : ( مكاناً ( وآثر ذكر المكان لأجل وصفه بقوله : ( سوى ) أي عدلاً بيننا ، لا حرج على واحد منا في قصده ازيد من حرج الآخر ، فانظر هذا الكلام الذي زوفه وصنعه ونمقه فأوقف به قومه عن السعادة واستمر يقودهم بأمثاله حتى أوردهم البحر فأغرقهم ، ثم في غمرات النار أحرقهم ، فعلى الكيس الفطن أن ينقد الأقوال والأفعال ، والخواطر والأحول ، ويعرضها على محك الشرع : الكتاب والسنة ، فما وافق لزمه وما لا تركه .
ولما كان مجنمع سرورهو الذي اعتادوه حاوياً لهذه الأغراض زماناً ومكاناً وغيرهما ، اختاره عليه السلام لذلك ، فاستؤنف الخبر عنه في قوله تعالى : ( قال موعدكم ) أي الموصوف ) يوم الزينة ) أي عيدكم الذي اعدتم الجتماع فيه في المكان الذي اعتدتموه ، فآثر هنا ذكر الزمان وإن كان يتضمن المكان لما فيه من عادة الجمع كما آثر فيما تقدم المكان لوصفه بالعدل ) وأن يحشر ( بناه للمفعول لأن القصد الجمع ، لا كونه من معين ) الناس ) أي إغراء ولو بكره ) ضحى ( ليستقبل النهار من أوله ، فيكون أظهر لما يعمل وأجلى ، ولا يأتي الليل إلا وقد قضي الأمر ، وعرف المحق من المبطل ، وأنتم أجمع ما تكونون وأفرغ ، فيكل حد المبطلين وأشياعهم ، والمتكبرين على الحق وأتباعهم ، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر ، ويشيع في