كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 32
معرفته بفعله ، إشارة إلى عليّ قدره فقالوا : ( والذي ) أي ولا نؤثرك بالاتباع على الذي ) فطرنا ) أي ابتدأ خلقنا ، إشارة إلى شمول ربوبيته سبحانه وتعالى لهم وله ولجميع الناس ، وتنبيهاً على عجز فرعون عند من استحقه ، وفي جميع أقوالهم هذه من تعظيم الله تعالى عبارة وإشارة وتحقير فرعون أمر عظيم .
ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به ، علماً بأن ما فعله فهو بإذن الله ، قالوا : ( فاقض ما ) أي فاصنع في حكمك الذي ) أنت قاض ( ثم عللوا ذلك بقولهم : ( إنما تقضي ) أي تصنع بنا ما تريد أن قدرك الله عليه ) هذه الحياة الدنيا ) أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة ، فهي ساعة تعقب راحة ، ةنحن لانخاف إلاممن يحكم على الروح وإن فني الجسدن فذاك هو الشديد العذاب ، الداءم الجزاء بالثواب أو العقاب ، ولعلمه أسقطوا الجار تنزلاً إلى أن حكمه لو فرض أنه يمتد إلى آخر الدنيا لكان أهلاً لأن لا يخشى لأنه زائل وعذاب الله باق .
ثم عللوا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم : ( إنا ءامنا بربنا ) أي المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره ) ليغفر لنا ( من غير نفع يلحقه بالفعل أو ضرر يدركه بالترك ) خطايانا ( التي قابلنا بها إحسانه : ثم خضوا بعد العموم فقالوا : ( وما أكرهنتنا عليه ( وبينوا ذلك بقولهم : ( من السحر ( لتعارض به المعجزة ، فإن كان الأكمل لنا عصيانك فيه لأن الله أحق بأن يتقى .
روي أم الذي كان من القبط من السحرة اثنان فقط ، والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر ، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره ، فهذا لا يقدر على معارضته ، فأبى عليهم وأكرههم على المعارضة .
ولما كان التقدير : فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة ، عطفوا عليه مستحضرين لكماله : ( واله أي الجامع لصفات الكمال ) خير ( جزاء منك فيما وعدتنا به ) وأبقى ( ثواباً وعقاباً ، والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون ، ويؤيده قوله تعالى
77 ( ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون ( ) 7
[ القصص : 35 ] - قاله أبو حيان .
وسيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم ؛ ثم عللو هذا الختم بقولهم : ( إنه من يأت ربه ) أي الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه ) مجرماً ) أي قاطعاً ما أمره به أن يوصل ) فإن له جهنم ( دار الإهانة ) لا يموت فيها ( أبداً مع شدة عذابها .
بخلاف عذابك الذي إن اشتد أمات فزال سريعاً ، وإن خف لم يُخِفْ وكان آخره الموت وأن طال ) ولا يحيى ( فيها حياة ينتفع بها ) ومن يأته ( اي ربه الذي أوجده ورباه ) مؤمناً ) أي مصدقاً به .

الصفحة 32