كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 34
ولما كان ضرب البحر بالعصا سبباً لوجود الطريق الموصوفة ، أوقع الفعل عليها فقال : ( طريقاً في البحر ( ووصفها بالمصدر مبالغة فقال : ( يبساً ( حال كونها أو كونك ) لا تخف ( والمراد بها الجنس ، فإنه كان لكل سبط طريقاً ) دركاً ) أي أن يدركك شيء من طغيان البحر أو بأس العدو أو غير ذلك .
ولما كان الدرك مشتركاً بين اللحاق والتبعة ، أتبعه بقوله : ( ولا تخشى ) أي شيئاً غير ذلك أصلاً إنفاذاً لأمري وإنقاذاً لمن أرسلتك لاستنقادهم ، وسوقه على هذا الوجه من إظهار القدرة والاستهانة بالمعاند مع كبريائه ومكنته استلالاً شهودياً على ما قرر أول السورة من شمول القدرة وإحاطة العلم للبشارة بإظهار هذا الدين بكثرة الأتباع وإبارة الخصوم والإسعاد برد الأضداد وجعل بغضهم وداًن وإن كانوا قوماً لداً ؛ ثم أتبع ذلك قوله عطفاً على ما تقديره : فبادر امتثال الأمر في الإسراء وغيره : ( فأتبعهم ) أي أوجد التبع والمسير وراء بني إسرائيل على ذلهم وضعفهم ) فرعون بجنوده ( على كثرتهم وقوتهم وعلوهم وعوتهم ، فكانوا كالتابع الذي لا معنى له بدون متبوعه ) فغشيهم ) أي فرعون وقومه ) من اليم ) أي البحر الذي من شأنه أن يؤم ؛ وأوجز فهول فقال : ( ما غشيهم ( اب أمر لا تحتمل العقول وصفه حق وصفه ، فأهلك أولهم وآخرهم ؛ وقطع دابرهمن لم يبق منهم أحداً ، وما شاكت أحداً من عبادنا المستضعفين شوكة ) وأضل فرعون ( على تحذلقه ) قومه ( مع ما لهم من قوة الأجساد معانيها .
ولما كان إثبات الفعل لا يفيد العموم ، نفى ضده ليفيده مع كونه أوكد وأوقع في النفس وأروع لها فقال : ( وما هدى ) أي ما وقع منه شيء من الهداية ، لا لنفسه ولا لأحد من قومه ، فتم الدليل الشهودي على تمام القدرة على إنجاء الطائع وإهلاك العاصي .
ولما كان هذا موجباً للتشوف إلى ما وقعع لبني إسرائيل بعده ، قال تعالى شافياً لهذا الغليل ، أقبلنا على بني إسرائيل ممتنين بما مضى وما يأتي قائلين : ( يابني إسرائيل ( معترفين لهم أنا نظرنا إلى السوابق فأكرمناهم لأجل أبيهم .
ولما كان درء المفاسد وإزالة الموانع قبل جلب المصالح واستدرار المنافع قال : ( قد أنجيناكم ( بقدرتنا الباهرة ) من عدوكم ( الذي كنتم أحقر شيء عنده .
ولما تفرغوا لإنفاذ ما يراد منهم من الطاعة قال : ( ووعدناكم ) أي كلكم - كما مضى في البقرة عن نص التوراة - للمثول بحضرتنا والاعتزاز بمواطن رحمتنا ) جانب الطور الأيمن ) أي الذي على أيمانكم في توجهكم هذا الذي وجوهكم فيه إلى بيت ابيكم إبراهيم عليه السلام ، وهو جانبه الذي يلي البحر وناحية مكة واليمن .