كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 35
ولما بدأ بالمنفعة الدينية ، ثنى بالمنفعة الدنيوية فقال : ( ونزلنا عليكم ( بعد إنزال هذا الكتاب في هذه المواعدة لإنعاش أرواحكم ) المن السلوى ( لإبقاء أشباحكم ، فبدأ بالإنجاء الممكن من العبادة ، ثم أتبعه بنعمة الكتاب الدال عليها ، ثم بالرزق المقوي ، ودل على نعمة الإذن فيه بقوله : ( كلوا ( ودل على سعته بقوله : ( من طيبات ما ( ودل على عظمته بقوله : ( رزقناكم ( من ذلك ومن غيره .
ولما كان الغنى والراحة سبب السماحة ، قال : ( ولا تطغوا فيه ( بالادخار إلى غد في غير يوم الجمعة ولا بغير ذلك من البطر وإغفال الشكر بصرفه في غير الطاعة ) فيحل ( اي ينزل ويجب في حينه الذي هو أولى الأوقات به - على قراءة الجماعة بالكسر ، ونزولاً عظيماً وبروكاً شديداً - على قراءة الكسائي بالضم ) عليكم غضبي ( فتهلكوا لذلك ) و ( كل ) من يحلل عليه غضبي ( منكم ومن غيركم ) فقد هوى ) أي كان حاله حال من سقط من علو .
طه : ( 82 - 86 ) وإني لغفار لمن. .. . .
) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ اهْتَدَى وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يمُوسَى قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي ( ( )
ولما كان الانسان محل الزلل وإن اجتهد ، رجاه واستعطفه بقوله : ( وإني لغفار ) أي ستار بإسبال ذيل العفو ) لمن تاب ) أي رجع عن ذنوبه من الشرك وما يقاربه ) وءامن ( بكل ما يجب الإيمان به ) وعمل صالحاً ( تصديقاً لأيمانه .
ولما كانت رتبة الاستمرار على الاستقامة في غاية العلو ، عبر عنها بأداة التراخي فقال : ( ثم اهتدى ) أي استمر على العمل الصالح متحرياً به إيقاعه على حسب أمرنا وعلى أقرب الوجوه المرضية لنا ، له إلى ذلك غاية التوجه كما يدل عليه صيغة افتعل ، وكأنه لما رتب الله سبحانه منازل قوم موسى عليه السلام عامة والسبعين المختارين منهم خاصة في الجبل - كما مضى عن نص التوراة في سورة البقرة ، وواعده الكلام بعد ثلاثين ليلة ولم يعين له أولها ، وكأنه لاشتياقه إلى ما رأى من التعرف إليه بمقام الجمال لم يتوقف على خصوص إذن من الله تعالى في أول وقت الإتيان اكتفاء بمطلق الأمر السابق في الميعاد ، فتعجل بعشرة أيام عن الوقت الذي علم الله أ ، الكلام يقع فيه بعد الثلاثين التي ضربها لذلك ، وأكر موسى عليه السلام قومه عند نهوضه ، وتقدم إليهم في