كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 36
اتباعه والطكون في أثره للحلول في الأماكن التي حدها الله لهم وأمر السبعين المختارة بمثل ذلك ، وكأنهم لما مضى تلبثوا لما رأوا من مقام الجلال ، فلما مضت الثلاثون بعد ذهاب موسى لم يكن أتى الوقت الذي أراد الله أن تكون المناجاة فيه ، فزاده عشراً فظن بنو اسرائيل الظنون في تلك العشرة ، ووقع لهم ما وقع من اتخاذ العجل .
ولما كان ذلك - والله أعلم بما كان ، وكان أعظم ما مضى في آية الامتنان عليهم والتعرف بالنعم إليهم المواعدة لهدايتهم بالآيات المرئية والمسموعة ، وختم ذلك بالإشارة إلى الاجتهاد في الإقبال على الهدى ، أتبع ذلك ذكر ضلالهم بعد رؤية ما يبعد معه كل البعد إلمام من رآه بشيء من الضلال ، كل ذلك لإظهار القدرة التامة على التصرف في القلوب بضد ما يظن بها ، وكان تنجز المواعيد إلذ شيء للقلوب وأشهاه إلى النفوس ، وكان السياق مرشداً حتماً إلى أن التقدير : فأتوا إلى الطور لميعادنا ، وتيمموا جانبه الأيمن بأمرنا ومرادنا ، وتعجل مويى صفبنا الصعود فيه مبادراً لما عنده من الشوق إلى ذلك المقام الشريف وتأخر مجيء قومه عن الإتيان معه ، فقلنا : ما أخر قومك عن الأتيان معك ؟ فعطف عليه قوله : ( وما أعجلك ) أي أيّ شيء أوجب لك العجلة في المجيء ) عن قومك ( وإن كنت مبادرة المبالغ في الاسترضاء ، أما علمت أن حدود الملوك لا ينبغي تجاوزها بتقدم أو تأخر ؟ ) ياموسى ( فهلا تيتم جمله وانتظرتم أمراً أمراً جديداً بخصوص الوقت الذي استحضركم فيه ) قال ( موسى ظناً منه أنهم أسرعوا وراءه : ( هم ( وأتى باسم الإشارةواسقط منه هاء التنبيه لأنه لا يليق بخطاب الله ، قال ابن هبيرة : ولم أر أحداً من الأصفيء خاطب ربه بذلك ، وإنما خاطب به الكفار لغباوتهم
77 ( ) قالوا ربنا هؤالء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ( ) 7
[ النحل : 76 ] في أمثالها وأما آخر الزخرف فقد ذكر التعبير بها في موضعه ) أولاء ) أي هم في القرب بحيث يسار إليهم ، كائنين ) على أثري ) أي ماشين على آثار مشييي قبل أن ينطمس لم أسبقهم إلا بشيء جرت العادةفي السبق بمثله بين الرفاق ، هذا ناء منه على ما كان عهد إليهم ، وأكد فيه عليهم : ثم اعتذر عن فعله فقال : ( وعجلت ( أنا بالمبادرة ) إليك ( وجرى على عادة أهل القرب كما يحق له فقال : ( رب ) أي ايها المسارع في إصلاح شأني والإصلاح إليّ ) لترضى ( عني رضى أعظم مما كان ) قال ( الرب سبحانه : ( فأنا ) أي قد تسبب عن عجلتك عنهم أنا ) قد فتنا ) أي خالطنا بعظمتنا مخالطة مميلة محيلة ) قومك ( بتعجلك .
ولما كانت الفتنة لم تستغرق جميع الزمن الذي كان بعده ، وإنما كانت في بعضه ،

الصفحة 36