كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 38
الشيطان ، وليس بربنا ، ولن نؤمن به ولن نصدق ، وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب به - الحديث .
ثم سبب عن إخباره سبحانه له بذلك قوله : ( فرجع موسى ) أي لما أخبره ربه بذلك ) إل قومه ) أي الذين لهم قوة عظيمة على ما يحاولونه ) غضبان أسفا ) أي شديد الحزن أو الغضب ؛ واستأنف قوله : ( قال ( لقومه لما رجع إليهم مستعطفاً لهم : ( ياقوم ( وأنكر عليهم بقوله : ( ألم يعدكم ربكم ( الذي إحسانه إليكم ) وعدا حيناً ) أي بأنه ينزل عليكم كتاباً حافظاً ، ويكفر عنكم خطاياكم ، وينصركم على أعدائكم - إلى غير ذلك من إكرامه .
ولما جرت العادة بأن طول الزمان ناقض للعزائم ، مغير للعهود ، كما قال أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري في هذا البيت :
لا أنسيتك إن طال الزمان بنا وكم حبيب تمادى عهده فنسي
وكان عليه الصلاة والسلام قريب العهد بهم ، أنكر طول العهد بقوله ، مستأنفاً عما تقديره : هل ترك ربكم مواعيده لكم وقطع معروفة عنكم : ( أفطال عليكم العهد ) أي زمن لطفه بكم ، فتغيرتم عما فارقتكم عليه كما يعتري أهل الرذائل النحلال في العزائم لضعف العقول وقلة التدبر ) أم أردتم ( بالنقض مع قرب العهد وذكر الميثاق ) أن يحل عليكم ( بسبب عبادة العجل ) غضب من ربكم ) أي المحسن إليكم ، وكلا الأمرين لم يكن ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلا يظن بأحد إرادته ، والحاصل أنه يقول : إنكم فعلتم ما لا يفعله عاقل ) فأخلقنم ) أي فتسبب عن فعلكم ذلك أن أخلفتم ) موعدي ( في إجلال الله والإتيان إلى الموضع الذي ضبه لكم لكلامه لي وإنزال كتابه عليّ إحساناً إليكم وإقبالاً عليكم ، وكأنه أضاف الموعد إليه أدباً مع الله تعالىى وإعظاماً له ، أو أنه لما كان إخلاف الموعد المؤك المعين الذي لا سبهة فيه ، لما نصب عليه من الدلائل الباهرة ، وأوضحه من البراهين الظاهرة ، لا يكون إلا بنسيان لطول العهد ، أو عناد بسوء قصد ، وكا من أبلغ المقاصد وأوضح التقرير إلجاء الخصم بالسؤال إلى الاعتراف بالمراد ، سألهم عن تعيين أحد الأمرين مع أن طول العهد لا يمكن ادعاؤه ، فقال ما معناه : أطال عليكم العهد بزيادة عشرة ايام فنسيتم فلم يكن عليكم في الإخلاف جناح ؟ أم أردتم أن يحل عليكم الغضب فعاندتم ؟ فكانت الآية من الاحتباك : ذكر طول العهد الموجب للنسيان أولاً دليب على حذف العناد ثانياً ، وذكر حلول الغضب ثانياً دليل على انتفاء الجناح أولاً ، وسر ذلك أن ذكر السبب الذي هو طول العهد أدل على النسيان الذي هو المسببن وإثبات الغضب - وهو المسبب - أنكأ من إثبات سببه الذي هو العناد .

الصفحة 38