كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 42
ولما فرغ من نصيحة أقرب الناس إليه وأحقهم بنصيحته وحفظه على الهدى إذ كان راس الهداة ، تشوف السامع غلى ما من غيره ، فاستأنف تعالى ذكره بقوله : ( قال ) أي موسى عليه السلام لرأس أهل الضلال معرضاً عن أخيه بعد قبول عذره .
جاعلاً ما نسب إليه سبباً لسؤاله عن الحالمل له عليه : ( فما خطبك ) أي أمرك هذا العجيب العظيم الذي حملك على ما صنعت وأخبرني العزيز العليم أنك أنت أضللتهم به ) يا سامري قال ( السامري مجيباً له : ( بصرت ( من البصر والبصيرة ) بما لم يبصروا به ( من أمر الرسول الذي أجاز بنا البحر ) فقبضت ) أي فكان ذلك سبباً لأن قبضت ) قبضة ) أي مرة من القبض ، أطلقها على المقبوض تسمية للمفعول بالمصدر ) من أثر ( فرس ذلك ) الرسول ( اي المعهود ) فنبذتها ( في الحلي الملقى في النار ، أو في العجل ) وكذلك ) أي وكما سولت لي نفسي أخذ اثره ) سولت ) أي حسنت وزينت ) لي نفسي ( نبذها في الحلي فنبذتها ، فكان منها ما كان ، ولم يدعني غلى ذلك داع ولا حملني عله حامل غير التسويل .
ولما كان فعله هذا مفرقاً لبني إسرائيل عن طريق الحق التي كانوا عليها ، وجامعاً لهم على تمثال حيوان هو من أخس الحيوانات ، وعلى نفسه بكونه صار متبوعاً في ذلك الضلال ، لكونه كان سببه ، عوقب بالنفرة من الإنسان الذي هو أشرف الحيوان ، ليكون ذلك سبباً لضد ما تسبب عن فعله ، قيعاقب بالدنيا بعقوبة لا شيء اشد منها وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعاً كلياً فلا يتصل بأحد ولا يتصل به أحد ، بل يكون وحيداً طريداً ما دام حياً ، فلذلك استؤنف الإخبار عن هذا بقوله تعالى : ( قال ) أي له موسى عليه السلام : ( فاذهب ( اي تسبب عن فعلك أني أقول لك : اذهب من بيننا ، أز حيث ذهبت ) فإن لك في الحياة ) أي ما دمت حياً ) أن تقول ( لكل من رايته : ( لا مساس ) أي لا تمسني ولا أمسك ، فلا تقدر ان تنفك عن ذلك لإرادة الإله الحق ذلك بك وترغيبك فيه - بما افادته الام ، لتعلم أنت ومن تبعك أنكم كنتم على أعظم ضلال في ترك القادر على كل شيء ، واتباع ما لا قدرة له على شيء ) وإن لك ( بعد الممات ) موعداً ( للثواب إن تبت ، وللعقاب إن ابيت ) لن تخلفه ( مبنياً للفاعل وللمفعول ، اي لا يكون خلفك ولا تكون أنت خلفه ، بل يكون كل منهما مواجهاً لصاحبه ، لا انفكاك له عنه ، كما أنك في الحياة لا تقدر أن تنفك عن النفرة من الناس ، فاختر لنفسك ما يحلو .
ولما ذكر ما للإله الحق من القدرة التامة في الدارين ، أتبعه عجز العجل فقال : ( وانظر إلى إلهك ) أي بزعمك ) الذي ظلت ( اي دمت في مدة يسيرة جداً بما أشار إليه